الاثنين، 4 يونيو 2012

سياسة رش النقود لا تكفي

حذرت صحيفة فورين بوليسي الأمريكية الحكومة السعودية من أن الفرصة تكاد تضيع لإجراء إصلاحات اقتصادية فعالة.

يشير الكاتب روبرت روني إلى أن النفط لن يدوم للأبد وعلى الحكومة السعودية إجراء إصلاحات لاقتصادها إذا أرادت أن تصمد. يشير الكاتب إلى أن تفادي السعودية للاضطربات التي جلبها الربيع العربي في بعض الدول المجاورة من خلال الإنفاق الحكومي الضخم على برامج مؤقتة للشباب يظهر هدوء خادعا على السطح، ويخفي ذلك مجتمعا يعاني من مشاكل جمة ستكون إدارتها أمرا مستحيلا مع مرور الوقت.

كانت استجابة السعودية لمواجهة الربيع العربي بإجراءات هامشية لتخفيف حدة البطالة المرتفعة بين السعوديين بفضل السيولة الكبيرة لعوائد النفط، وخصصت الحكومة قرابة 120 مليار دولار لبرامج اجتماعية وخطط توظيف في الحكومة والقطاع الخاص، ودعما لنفقات الأسر السعودية. لكن رش النقود فوق المشاكل لا يحلها فالاقتصاد يجب أن يجد سبل احتضان القوى العاملة السعودية، دون النظر بالقيود الدينية التي تعيق تحديث الاقتصاد.

بعد عام من ثورة تونس قامت مؤسسة "مابلكروفت " وهي مؤسسة الاستشارات البريطانية لتقييم المخاطر السياسية، قد صنفت ضمن ، قائمتها السعودية في المرتبة 15 بين اقتصادات الدول الناشئة وقالت المؤسسة إن الهدف من هذه القائمة هو تحذير المستثمرين من الدول المعرضة للخطر، أي دون مرتبة كل من نيجريا وإيران. يستدعي ذلك تعاطيا أكثر دقة وفهما من الحكومة السعودية لتوازن بين الإصلاحات وقوى المصالح الدينية، إن أرادت السعودية التأقلم مع حقائق الشرق الأوسط في مرحلة ما بعد الربيع العربي.

يعزو الكاتب مشاكل السعودية الداخلية إلى جوانب ديمغرافية، ويشير إلى أن زيادة عدد السكان السعوديين من 15 مليون عام 1990 إلى 28 مليون عام 2011 أي بمتوسط زيادة سنوية من 3 %. يمكن إدارة هذا النمو السكاني في اقتصاد يعتمد مسار الدول النامية الذي يتضمن تحديث الزراعة ونمو التصنيع الذي يعتمد على العمالة الكثيفة، لكن النمو السكاني أثبت أنه مشكلة عويصة في اقتصاد يهيمن عليه النفط. تحظى السعودية بالقوة المالية التي تجعلها تتجاوز المراحل المتوسطة لتصبح بمكانة البلد صناعي، لكن يعتمد ذلك على التراكم السريع لرأس المال البشري مع نمو كبير للقطاع الخاص المنتج. ولا يزال النظام التعليمي في السعودية عصيا على التحديث ليتخرج منه شبان وشابات تنقصهن المهارات مما يجبر الشركات على توظيف العمالة الوافدة.

دعمت الحكومة التعليم العالي، حيث ينضم قرابة 800 ألف سعودي وسعودية في الجامعات، مقابل قرابة 110 ألف في جامعات أجنبية في الخارج. لكن النظام يتهاوى مع المصاعب التي يواجهها هؤلاء في العثور على وظيفة لأنهم غير قادرين على تأدية مهامهم وفقا للمعايير الدولية. لا غرابة في كون 90% من السعوديين في السجون، هم من حملة الشهادات الجامعية.

تضع تقديرات غير الرسمية معدل البطالة بين الشباب السعودي بمستوى مرتفع جدا من حوالي 40%. وتخف وطأة العجز الاقتصادي لهؤلاء من خلال النفقات الاجتماعية السخية من الحكومة، لكن يصعب تخيل استدامة تلك الإعانات حتى أحل غير محدد. يكمن ذلك في كون معظم العاطلين عن العمل لفترات طويلة يشعرون بالسخط لدورهم الهامشي في المجتمع خاصة لأن موارد الحكومة المالية ليست دائمة. وحتى الآن كان سلاح الحكومة الأساسي لمعالجة البطالة في مبادرات السعودة وهي مبادرة تعتمد الترغيب والترهيب لإقناع أصحاب العمل لاستبدال العمالة الأجنبية بمواطنين سعوديين.

تطبق برامج السعودية منذ سنين طويلة لكن يبدو أنها لا تقدم النتائج المرجوة. فالهدف الأساسي هو استبدال 320 ألف وظيفة يشغلها الأجانب بين 1995 و2000 بمواطنين سعوديين. لكن أرقام العمالة الأجنبية زادت بحدود 58 ألف خلال تلك الفترة. وفي سنوات العقد الماضي أقر مجلس الشورى السعودي أن تكون نسبة السعوديين 70% من مجمل القوى العاملة بحلول 2007. لكن أصحاب العمل تحايلوا على ذلك القرار واليوم لا تتجاوز نسبة السعوديين في القطاع الخاص أكثر من 10%.

يسهل اكتشاف سبب فشل السعودة في تحقيق أهدافها، فالبرنامج يفرض ضرائب على الشركات التي لا تمتثل لنسبة السعودية، وهي عبارة عن ضريبة بهيئة أخرى. وقامت شركات عديدة بتغيير مقار عملها لتجنب السعودة مع قيام معظم الشركات بالانتقال إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ذات البيئة الودية إزاء الشركات حيث لا تجبر هذه الشركات على استبدال موظفيها وعمالها المؤهلين من الأجانب بمواطنين يفتقرون للمؤهلات ويطلبون رواتب عالية.

كما تجابه الشركات التي تحاول الالتزام بمعدل السعودة من خلال تقديم التدريب لموظفيها السعوديين، صعوبة في الاحتفاظ بهم نظرا للطلب الكبير على السعوديين المدربين وهم من أصحاب المهارات والمؤهلات المناسبة، من قبل شركات منافسة تسعى لتحقيق نسبة السعودة المطلوبة منها. لكن حتى الشركات التي تلتزم بالقوانين والتشريعات تصدمها التعليمات التي تتبدل دون سابق إنذار.

الاستجابة الفورية للحكومة إزاء تداعيات الربيع العربي كانت في مضاعفة جهود السعودة لتطلق برنامج أكثر بيروقراطية باسم نطاقات وذلك لتلافي الثغرات في البرامج السابقة. ومع ذلك يصعب تخيل نجاح برنامج نطاقات في توظيف السعوديين في القطاع الخاص في حين فشلت برامج السعودة التي سبقته فشلا ذريعا. ولزيادة الطين بلة، يتم تطبيق نطاقات بالتزامن مع برامج ومبادرات حكومية موازية تتعارض مع أهدافه، مثل رفع الحد الأدنى للأجور وهي مبادرة تقتل فرص العمل الجديدة، فضلا عن زيادة وظائف الحكومة ذات الرواتب العالية.

لكن برنامجا بعيد المدى لتخفيف تباينات سوق العمل السعودي يسمى المدن الاقتصادية يحمل بشائر أكبر. فالبرنامج يستوحي خططه من نجاح مدن صناعية في جبيل وينبع وهي مدن صناعية تأسست من العدم في سبعينيات القرن الماضي أي قبل قرابة 30 عاما. تهاوت الشكوك حول الجدوى الاقتصادية لهذه المدن بفضل تطوير صناعات المصب (البتروكيماويات) والتي تستفيد من قطاع النفط. وحتى اليوم ولدت المدينتان قرابة 100 ألف وظيفة في 233 شركة وأغلب هذه الشركات تتمتع بالتنافسية في أسواق التصدير.

يهدف السعوديون لمحاكاة هذه النجاحات بسرعة أكبر وعلى مستوى أضخم، وفي هذه الحالة مع التركيز على مستقبل السعودية لمرحلة ما بعد النفط. تهدف المدن الاقتصادية الجديدة أن تصبح قاعدة في توليد اقتصاد المعرفة الحديث.

تقع هاتين المدينتين في مناطق أقل تطورا عن باقي مناطق المملكة لجهة النشاط الاقتصادي وستدعم مجموعة من القطاعات التي تناسب دخول السعوديين والسعوديات في القوى العاملة فيها. تظهر جدية الحكومة في ذلك ففي العام 208 خصصت 400 مليار لتمويل برنامج المدن الصناعية حتى العام 2013 وتأمل بعدها أن تجذب هذه استثمارات خاصة لتكامل الدعم الحكومي الجاري.

تتعاظم أهمية المدن الجديدة بضوء التوقعات المالية في المملكة، وتقدر جدوى للاستثمارات أن السيولة المالية السعودية ستتوفر في العقد القادم على افتراض بقاء أسعار النفط مستقبلا ضمن حدود معقولة. بعد ذلك لن يكون هناك توقعات حيث ستتراجع عوائد النفط مع مواصلة معدلات نمو السكان. وسيزيد سعر النفط السعودي مستقبلا وفقا التقديرات بمعدلات متفاوتة في علم التوقعات.

وبذلك فإن السعوديين يواجهون فرصة تتلاشى بسرعة لإجراء التحول إلى اقتصاد أقل اعتمادا على النفط وأكثر قدرة على النمو والتنوع وتوليد الوظائف. الخبر السار هو في أن برنامج المدن الجديدة سيثمر خلال عقد من الزمن قبل تراجع ميزانية الحكومة لمرحلة العجز المزمن. وتطلب الأمر في جبيل وينبع قرابة 15 أو 20 سنة لتثمر، وأمام الحكومة الآن خبرة أكبر وموارد أكثر في متناولها للشروع بمشاريع بهذا الحجم الهائل والمدى الكبير.

تتماثل المشكلة السعودية مع مشكلة سنواجهها جميعا من الاحتباس الحراري. حيث لا تولد عمليات التطوير السنوية تغيرا كافيا للوصول إلى إجماع في الأرادة والرغبة على مواجهة القضية، لكن المصير واضح ولا يخضع للشك.

وحقيقة المشكلة السعودية أكثر صعوبة، ففي فشلها في التحول إلى اقتصاد حديث ومتنوع، سينفتح صراع مؤكد بين قوى المجتمع القبلية والدينية ووقتها سيكون صعبا جدا إنهاءه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق