الخميس، 10 مايو 2012

كتّاب يصطفون ضد جرأة العبيكان




السعودية ومعركة شيوخ التشدد الخاسرة

حان للحيدان والعبيكان أن يدركا أن السعوديين يريدون قضاء يكون هدفه الوطن لا المصالح الدنيوية المتسترة بالخوف على الدين. يريدون قضاءً يمثلهم لا يمثل بهم.

يشن شيوخ سعوديون معركة حامية الوطيس ضد اللاعبين الجدد في المؤسسة الدينية السعودية؛ وزير العدل الدكتور محمد العيسى ورئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عبد اللطيف ال الشيخ.
تدار المعركة من قبل الحرس القديم التي يترأسه صالح اللحيدان ويشاركه المتقلب بين التشدد والانفتاح ورضاعة الكبير واطعام الصغير عبدالمحسن العبيكان.
هذه المعركة تستحق المراقبة والتعليق، وتبين كم هو صعب السير نحو التحديث داخل المؤسسة الدينية السعودية، وكم هو مؤلم التصدي الشجاع لإحداث اي تغيير مهما صغرت قوته.
الشيخ اللحيدان الذي يقترب من تنصيب نفسه بنفسه مرشداً أعلى للمؤسسة الدينية ويقود "مجمع ترونت" المعارض للاصلاح، يقف كالصخرة التي ترفض التطور والتقدم والتغيير للأفضل. يريد ان تستمر حصصه في المؤسسة الدينية والدولة دون نقصان، ويحركه ضد المسؤولين الجدد معرفته بتساقط رؤوس غرسها فاساءت للسعودية في ارجاء العالم بأحكامها القضائية الغريبة والقاسية.
يدير الشيخ العبيكان معركة بالنيابة عن جهة تتوارى وراء ستار، وإلا لما أستبسل في صراعه الذي انقلب الى شخصي بينه وبين بعض من يطلق عليهم تيار التحديث والتطوير لأنظمة الدولة والذين يصفهم الشيخ العبيكان بأنهم تيار التغريب والزندقة ويستحقون ان يطلق عليهم صواعقه المحدقة.
تصريحات العبيكان ضد الاصلاح القضائي تعني سقوط مبدأ النصيحة السرية، ومن اسقطها ليسوا ليبراليين تغريبيين، بل هم اصحاب القداسة الذين امضوا عقودا طويلة في ترسيخ مبدأ النصيحة السرية بعيدا عن العلنية.
يقول الشيخ العبيكان انه يلتقي بالملك السعودي لوحده وتثمر لقاءاته عن اشياء مفيدة، ولذا حيل بينه وبين اللقاءات الخاصة، ويبدو ان هذا مربط الفرس وهو الاقصاء عن السدة والحظوة الملكية.
وللأهمية يمكننا ان نقول للعبيكان اولا انه خرق قاعدة مهمة وهي النصح في السر لا علانية واحداث الفتنة بين اطراف الأمة. ما الفرق بين العبيكان وغيره ممن ينتقدون وتتم محاسبتهم وسجنهم بسبب نصيحتهم العلنية؟
وتصريحات العبيكان تعني ان هناك صراعا شرسا داخل المؤسسة الدينية تتساقط فيه رؤوس المتحجرين وتبدو للعيان رؤوس الاصلاحيين الذين يريدون إصلاح قطاع مهم هو القضاء، والذي لن تصلح البلاد دون صلاحه.
العبيكان مثل الشيخ الذي يعود الى صباه حين كان معارضا شرسا يقف بكل قوة مع التيار المتشدد داخل المؤسسة الدينية، ثم ما لبث ان اصبح تبريريا ولينا ووسطيا بل بقي ان يكتب رواية جديدة اسمها "شيوخ الرياض" على وزن "بنات الرياض"، طالت فترة من التأمل والتقارب مع السدة الملكية وحين لم تثمر الجهود وتلقف الاصلاح والتغيير لاعبون جدد لم يكن للعبيكان مكانا بينهم عاد الشيخ الى صباه متشددا يقف ضد اي اصلاح للقضاء الذي يئن الشعب السعودي بسبب تشدده وفوضاه الواضحة للعيان.
يتحدث العبيكان عن مخططات تغريبية تريد جلب الاحكام الوضعية والغاء الشرعية ونحن نعلم جيدا ان هذا لن يحدث لسبب بسيط. وبساطته لم تلفت نظر العبيكان لمغالاته في العداء وهو ان الغاء الاحكام الشرعية واستبدالها بالوضعية سيجرد النظام السعودي من سيطرته على الجموع، فكيف سيطبق عليهم حد الحرابة اذا وقفوا ضده وكيف سيستعمل شريعة الولاء لولي الأمر والسمع والطاعة وهي مستمدة من الشريعة وليست من القانون الفرنسي او العرفي الانجليزي.
يخشى العبيكان من "تمكين المرأة" ونقول له يا ليتها تمكنت ففي تمكين امثال عائشة وخديجة وام سلمة وغيرهن من حفيداتهن فلاحا للأمة وتكاملا بين قواه الاجتماعية ولا اعرف اين هي غيرة العبيكان على المرأة حينما افتى بارضاعها لزميلها في العمل.
قمة التخبط والصدمة التي يعيشها من اصبحوا خارج اللعبة القضائية السعودية، بدلا من ان يكونوا عونا على اصلاح ما أفسده ابن لحيدان اصبحوا عونا له ولغيره ممن يريدون عودة عجلة التقدم الى الوراء.
ولو كنا في دولة مؤسسات لما وجدنا صوتا للتشدد ولتحدثت الاغلبية الصامتة حين لا تخشى من سيف التشدد، وطالبت بحقوق المرأة وغير ذلك من الحقوق، التي اغتصبت بتشريع وإشراف من عصبة التشدد والتطرف.
الأمر المثير للسخرية ان عبدالمحسن العبيكان يشتكي من ان تطوير القضاء سيزيل حكم ال سعود، فهل اصبح العبيكان أعلم من ال سعود واكثر حرصا من دهاقنتهم وخبرائهم على نظامهم حتى يخدعهم وزير او مستشار في أمر مهم هو التشريع والقضاء.
وهل لو لم يدخل العبيكان الديوان الملكي ومعه "الحقيقة" ستنهار الدولة السعودية الثالثة، وهكذا يعترف العبيكان ان الملك مغيب عن الحقيقة، وكأن ذلك الجهاز الضخم في الديوان الملكي والامراء الذين يزدحم بهم الديوان واجهزة الدولة الأمنية والتنفيذية وغيرها لا تنقل ما يحدث للملك ولن ينقل الحقيقة الا طائر الحقيقة المغرد العبيكان.
بالطبع ما يبدو للمواطن السعودي البسيط الذي ينتظر قرارات مهمة واصلاحات في ميدان القضاء ان معركة العبيكان واللحيدان ضد العيسى وال الشيخ ليست سوى صراع المبعدين ضد المتنفذين.
ولا علاقة للمواطن بهذا الصراع فهو ينتظر نتائج دون أي أهمية لأسماء مهما كانت قداستها. انه صراع من ابتعد عن المركز واصبح في الاطراف، من لم يعد له قدرة على التمثيل واعتبر ضمن الغائبين عن المسرح السياسي. وهو وابن لحيدان حالة متشابهة في اغلب تفاصيلها لكنها تبدو واضحة ضمن سياق الصراع السياسي على القوة شيخ اصبح من الماضي وأخر يريد ان يكون ضمن المستقبل.
العبيكان واللحيدان حسدا الشعب على الأمل بتحسن في القضاء ويريدون اغلاق نافذة تسرب منها شعاع من النور فهلا سمحا لهذا الشعب بالتمتع قليلا، ام يريدان عودة شلة قضاة المنطقة الواحدة والاتجاه الفكري المتشدد الواحد والذي يخدم مصالح فئة محددة. السعوديون يريدون قضاء منصفا متنورا متقدما وملتزما بالثوابت الاسلامية لا الثوابت اللحيدانية او العبيكانية، يريدون قضاء يكون هدفه الوطن لا المصالح الدنيوية المتسترة بالخوف على الدين.
يريدون قضاءً يمثلهم لا يمثل بهم.

عبد العزيز الخميس

***
العبيكان ومحاكمة الوزراء

لم يسبق لموظف معتبر المكانة أن كسر ثقة ولي الأمر وجاوز حدود الأمانة مثل ما فعل عبدالمحسن العبيكان أخيراً، بل إنَّ صغار الموظفين على امتداد العقود كانوا أكثر إدراكاً والتزاماً.
يزعم العبيكان أنَّ الملك خصه بلقاءات منفردة واستشاره في أمور معينة، من باب الثقة قبل الموقع، فلم يحفظ السر فيها بل بثها وأذاعها هذا إن كان دقيقاً في النقل مع أن من يفشي ماأؤتمن عليه لاغرابة في أن يكون قوله خلطاً وتغريراً.
إنَّ مارمى به العبيكان من أقوال متناثرة لاأهمية لها في مضمونها لأن الصدق لايكون مرحلياً، ولأنها تشي، كما يبدو، بتطلع إلى منصب رئيس القضاء، وأنها رد فعل ذلك؛ إذ لم تظهر الاتهامات بالخطط التغريبية وانحراف القضاء وماخالطهما من عبارات تمس بنية الدولة إلا بعد أن تجاوزه المنصب بمعاييره ومقتضياته ففاض مكنونه كاشفاً مرارته، ومظهراً طبيعة غلبت عليها شهوة المنصب فكانت أغلب وأطغى من معطيات الثقة.
الأمر المهم هو أنَّ هذه التجاوزات تخترق سياج المسؤولية، وتنتهك الأمانة الموكولة، وتتعدى حدود الالتزام التي يفرضها الموقع إن قصرت عنها حدود النضج مما يستدعي تطبيق نظام محاكمة الوزراء في مادتيه الثانية والخامسة لأن هذه المضامين تتعدى على هيبة الدولة، وتفشي الأسرار وتشكك في القضاء وتؤلب الرأي العام، وتشيع المغالطات وهي انتهاكات يكفي واحدها للمساءلة الصارمة لو وردت من أي فرد فكيف والحال يمثلها مستشار قضائي بمرتبة وزير!
لم يفعّل نظام محاكمة الوزراء أولاً لأنه لم يسبق لموظف مماثل أن خالف أنظمة منصبه؛ إذ كانت الثقة هي المرجع، والالتزام هو الإطار، والنصيحة لاالوقيعة هي المسلك، أما وقد غابت جميعاً فلقد حان للنظام أن يطبق مساراته


جاسر الجاسر

***
على قلق كأن الريح تحتي

لقد أوهمني وخوفني شيخنا عبدالمحسن من حكومة خفية تسعى لتمزيق الوطن، وكأن ما يُسمى بالربيع العربي لم يختر لنا إلاّ مركب التغريب. لقد أضحيت على قلق كأن الريح تحتي

كنت قرأت منذ مدة ليست باليسيرة أطروحة علمية نال بها صاحبها أطروحة الدكتوراه من جامعة الأزهر. وهي للدكتور عبدالعزيز بن أحمد البداح، قرأتها بعد أن صدرت في كتاب عن المركز العربي للدراسات الإنسانية بالقاهرة. والكتاب عنوانه:حركة التغريب في السعودية : تغريب المرأة أنموذجاً.
وقد جاء هذا الكتاب في سبع مائه صفحة من القطع المتوسط، تناول فيه المؤلف إرهاصات حركة التغريب وبدايته، ثم تطرق إلى أساليب التغريب وسماته والعوائق المحلية التي تقف أمامه. وقد لمست في الكتاب جهداً بحثياً واضحاً، وكذلك نظرات نقدية وتحليلية. أما مراجع الكتاب فهي كثيرة منها: الكتب والصحف بأنواعها والأشرطة والقنوات الفضائية والإذاعات والأفلام والمسلسلات.
وعزمت أن أذيع مراجعة نقدية له، لكن أعاقني كِبر الكتاب الذي يتطلب وقتاً أكبر، ثم أخذتني الحياة بدروبها أعاننا الله عليها. لكنني سمعت منذ يومين تسجيلاً لمقابلة مع معالي الشيخ عبدالمحسن العبيكان. وهو من أعلام العلم الديني في المملكة. وأنا من المتابعين لأطروحاته الفكرية والشرعية. وأجد في بعضها ما يذكرني بالكتاب قيد الإشارة، وفيها ما يخرج عن الفضاء الفقهي المحلي، وهذه جسارة لا تتوفر إلاّ لمن أعطي فضلاً في العلم والأداء.
بعد سماعي للمقابلة التي استطرد فيها الشيخ وفقه الله استطراداً لم أتبيّن معه الموضوع الرئيس للحلقة. على أنه قصر موضوع التغريب على المرأة. وهذا هو موضوع الدكتور عبدالعزيز بن أحمد البداح تحديداً. وأني وأيم الحق لتعروني الدهشة من قصر مسألة التغريب على المرأة. والمعروف علمياً أن مسألة التغريب واسعة تشمل ميادين واسعة أيضا.
ثم سمعت الشيخ وفقه الله لكل خير يختار الفساد والمغالاة في قيمة المشاريع الحكومية والرشوة عناوين من عناوين التغريب. ولا أظن أن الشيخ لا يعرف أن هذه القضايا هي من المحرمات في الغرب الذي جاء منه مصطلح التغريب. ولا تكاد تظهر هناك لأن القوانين المعمول بها صارمة في هذا الشأن ولا تسمح بحدوث قليل منه ناهيك عن كثير.
ثم رجعت للكتاب قيد الإشارة لأعرف هل ورد شيء مما ذكره الشيخ عبدالمحسن وفقه الله فلم أجد أي علاقة تُذكر. خصوصاً عندما تحدث الشيخ عن فساد كبير ينتشر في المجتمع السعودي نتيجة التغريب. ولا أخال الشيخ إلاّ مبالغاً ينشد تحذير الناس بتضخيم الأمر. بينما صاحب الكتاب يبحث مبحثاً موضوعياً، وإن كان لي عليه بعض الملحوظات المنهجية. ومع هذا يوجد صلة بسيطة بين الكتاب ومقابلة الشيخ عبدالمحسن وهو اختيار موضوع المرأة موضوعاً للتغريب. على أن صاحب الكتاب قد حدد موضوع بحثه مسبقاً وهو اختار المرأة أنموذجاً. بينما الشيخ يتحدث عن التغريب بصورة عامة، ومع هذا قصره على المرأة.
ومن ملحوظاتي على الكتاب وهي تنسحب على كثير ممن تصدى لمسألة التغريب في المملكة اختيار بدايتها مع بداية توحيد المملكة في عهد الملك عبدالعزيز، الذي خدم السنة وحارب البدعة ونشر الإسلام الصحيح ورعى الدعوة حق الرعاية. هذه بداية مجحفة. لكنني رأيت كثيراً من الصلحاء يذهبون هذا المذهب. ورأيت آخرين يجعلون بداية التغريب مع كل ملك من ملوك آل سعود حفظهم الله. فالشيخ العبيكان حفظه الله مع قوله انه يحب الملك عبدالله ويُقدر له حدبه وعنايته بالدين وأهله، إلاّ انه من جهة أخرى شن هجوماً على بعض رجال حكومته واتهمهم بالتغريب، مهدداً أنه سينشر أسماءهم. فكيف يارعاك الله يبدأ التغريب في عهد ملك صالح مُتدين، يرعى الدين وأهله. الحقيقة أنني لم أفهم عبارة الشيخ على الوجه الذي أراده.
كنت وددت لو اطلع فضيلة الشيخ عبدالمحسن على كتاب الدكتور عبدالعزيز البداح لرأى كما رأيت منهجه العلمي، حتى لو اختلفنا معه في تحميل النصوص مالا تحتمل. أقول لو قرأ الشيخ العبيكان الكتاب لرأى فضيلته عدم إطلاق الأحكام في مسألة متشعبة وتطال كثيراً من أفعال الناس. وهنا أقترح على الشيخ وصاحب الكتاب وفقهما الله أن يتمعنا في فكرة مؤداها أن كل المسائل التغريبية التي تدور على ألسنة الدعاة في الوقت الحاضر مسائل تحدث عنها فقهاء الإسلام وعلماء الأمة، وقد أفتوا واجتهدوا وعرضوا وناقشوا وردوا ورجحوا وهم لم يعرفوا الغرب آنذاك. فكان يجب أن توضع المسائل في سياقها وعدم تعميم ما يجدّ من حالات في مجتمعنا السعودي أنها حالات تغريبية. وبالتالي لا يجوز في نظري المتواضع الحكم على الشخصيات السعودية الاعتبارية بمنهج التغريبيين، أو أنهم يتولون عملاً حكومياً ظاهراً وعملاً تغريبياً باطناً والعياذ بالله.
لقد أوهمني وخوفني شيخنا عبدالمحسن من حكومة خفية تسعى لتمزيق الوطن ، وكأن ما يُسمى بالربيع العربي لم يختر لنا إلاّ مركب التغريب. لقد أضحيت على قلق كأن الريح تحتي. والله أعلم


د. عبدالله بن إبراهيم العسكر
***
&&&
أدعياء ومضللون!


 
يحاول نفر منا أن يكون حاضراً في وسائل الإعلام، فيتحدث لها عن غير علم، بأن يلوي عنق الحقائق، وأن يكيل الاتهامات يميناً ويساراً لهذا وذاك، دون أن يستثني صغيراً أو كبيراً، ودون أن يتحرك ضميره، أو يعود إليه رشده، أو يتعلم الدرس من ماضيه.
***
الشيخ عبدالمحسن العبيكان هو من هذا النوع، يتصرف هكذا، حتى ولو كان على حساب مصلحة وطنه ومواطنيه، فيستخدم الدين في تمرير أهدافه، مدعياً أنه يذب عن الإصلاح، ويحارب الفساد، مع أن ما تحدث به مؤخراً هو عين الفساد والإفساد.
***
أتساءل: كيف لمن هو في موقعه ومسؤوليته الوظيفية أن يقول مثل ما قاله، وأن يتحدث عن القضاء والعدل ووزيره، وعن من هم موضع ثقة الملك من المستشارين والمسؤولين، بمثل ما تحدث به، فيخون بذلك أمانة عمله، ويسيء إلى هيبة الدولة، ويتطاول دون وجه حق على ما ينبغي أن يكون له الطاعة والإخلاص والولاء.
***
إنه تصرف أحمق لا يقوم به ولا يقدم عليه من يملك عقلاً راجحاً، ونضجاً في التفكير، وسلامة في المقصد والنية، فهو أسلوب يلجأ إليه عادة المهزوم في ذاته، وغير المدرك لمصلحة وطنه ومواطنيه، وهو سقف أعلى لعدم الشعور بالمسؤولية يصل إليه الإنسان عندما يعطى أكثر من حجمه، وعندما يقدر بأكثر مما يستحق، وعندما يكون التسامح مع أخطائه وتصرفاته غير مقدر منه.
***
وإن أحداً لا يرفض النقد الموضوعي الذي يدل على الخير، وليس أياً منا في عداء مع النصح، أو نقل الحقائق المجردة من هوى النفس، لكننا أيضاً مع حفظ اللسان من أن يتفوه بكلمات غير أمينة، أو أن يتحدث بما يضر بمصلحة الوطن أمناً واستقراراً، وليس بيننا من يدعي الكمال، أو ينأى بنفسه عن قبول النصيحة، ملكاً كان أو أميراً أو وزيراً أو مواطناً في موقع المسؤولية، وهو ما أكد عليه ويؤكده دائماً الملك عبدالله بن عبدالعزيز في كل المناسات.
***
فما الذي حدا بعبد المحسن العبيكان بأن يسمح للسانه بتجاوز أدب الحوار، ولا يتأدب بما أمرنا به ديننا الحنيف أو نهانا عنه، وفي توقيت دقيق نحن أحوج ما نكون فيه إلى التلاحم ورص الصفوف في مواجهة الأعداء المتربصين بنا شراً، وهل يملك الشجاعة الآن وليس غداً ليعتذر للمواطنين، وتحديداً لكل من أساء إليهم حتى ولو كان تلميحاً لا تصريحاً، عوضاً عن المكابرة والتمسك بآراء غير منضبطة وبعيدة عن الواقع.
***
لقد بلغ السيل الزبا - كما يقولون - وآن للعبيكان بعد أن قال ما لا يقال أن يريح ويستريح، إذ ما الفائدة من مستشار تسلم له بعض قضايا الأمة لإبداء المشورة والرأي، وهو على هذا النحو من التهور والانفلات في القول دون أن يخشى في قول كلمة (الباطل) من لوم لائم.

خالد بن حمد المالك
&&&
***
رحلة العبيكان الفكرية من السحر إلى التغريب

هم الرجل -الذي يسعى من أجل تحقيقه ويستهين من أجله الصعاب- دليل على مستوى عقله وإدراكه. وواقعية هذا الهم وإمكانية تحقيقه دليل على مصداقية حديث حامله. وبالأمس القريب تحدث الشيخ عبد المحسن العبيكان بحديثه الثاني في محطة إعلامية بأحاديث قد تستهوي بعض الناس، لما فيها من أقاصيص خرجت عن السائد المعروف، يعتقد بعض الناس أنها تكشف عن واقع مستور عنهم. والصحيح أن حال القاص وهمته واهتماماته وسيرته هي تحكم على مصداقية قوله من عدمها.
في حرب الخليج الأولى، كان كل من امتطى المنبر وحدث الناس بأساطير المؤامرات ثم أزبد وأرعد، نزل من المنبر وهو شيخ الزمان وإمام المتقين. وكان الشيخ العبيكان ممن امتطى ذاك المنبر، ثم استغفر بعد ذلك، ثم عاد اليوم لما استغفر منه بالأمس.
وسمع الشيخ العبيكان بأن هناك قولا في جواز الذهاب إلى السحرة للاستشفاء بسحرهم. فتبنى هذا القول وحفظ الضعيف والمتروك والشاذ المعارض لصريح السنة الذي ينص على شرك من يأتيهم وبطلان عمله. ثم بذل هيبته وجدله ووقته دفاعا عن هذا الرأي الذي ليس هو رأيه في الأصل إنما هو مجرد مقلد فيه. ومن تناقض الشيخ العبيكان أنه يتهم غيره من أهل الحل والعقد والعلم والثقافة بأنهم يريدون نشر الفساد في بلاد الحرمين! أوليس السحر الذي يروج هو له لتمكينه وتحقيقه في بلاد الحرمين من الفساد؟ بل هو أعظم الفساد. فهو إفساد للعقائد بالشرك وإفساد للعقول والمجتمعات بالشعوذة. وبغض النظر عن الجانب الشرعي لهذا الرأي، إلا أنه يدل على شخصية الشيخ العبيكان وهمته. فكون تشريع الذهاب إلى السحرة وإتيان الشعوذة هما يحمله الشيخ ويخسر فيه ما خسر، فإنما يدل أولا على إيمانه وتصديقه بالخرافات وعدم مصداقية ما ينقله من أخبار، فغالب أحاديث السحر والسخرة والمسحورين خرافات وأكاذيب. والدعوة للاستشفاء بشعوذة السحرة هو أيضا دليل على عدم واقعية الشيخ وعدم إلمامه بالأمور كلها عند تفكيره في مسألة. فالأصل أن المسلم يقوم بواجبه في النهي عن المنكر - الذي يتباكى عليه الشيخ- فيجب على المسلم أن يخبر السلطات بالسحرة لقطف رؤوسهم، مما يستلزم علميا أن لا يكون هناك سحرة فكيف يدعو لما يجب أن يكون غير موجود.
ثم سمع الشيخ بإرضاع الكبير، وهو وإن ثبت شرعا إلا أنه محال التطبيق إلا في حالات نادرة وخاصة. وهذا دليل على أن الشيخ يتحدث فيما لا وجود له تطبيقا. وهو دليل على أن الشيخ «يلقط» كلمة أو فتوى أو حديث فيحدث به مدافعا ومتباكيا له وعليه دون تمحيص في صحته. وإن صح فهو يتبناه دون إدراك لأهميته أو واقعيته أو عدم انضباطه مع الأمور الأخرى التي يتباكى عليها. ففي تعميم رضاع الكبير ما فيه من الاحتجاج به في انتشار الخلوة المحرمة بحجة الأخوة في الرضاع، والشيخ يتباكى اليوم على وجود نساء عاقلات بوفد رسمي مع وزير العدل، الذي لا خير في البلاد والعباد إن شكك الناس في صلاح من هو في مثل هذا المنصب ومصداقيته وأمانته.
ثم سمع الشيخ أخيرا بأساطير التغريب فتذكر ماضيا عاشه عندما ركب مطية أساطير المؤامرات التغريبية التي شاعت أيام حرب الخليج، وأخرجها مرة اخرى من سلة المهملات بعض الجدد من سلالة الصحوين القدامى، فطار بها العبيكان فعاد الشيخ من حيث بدأ، من منبر كمنابر الصحوة الباحثة عن الإثارة، يبحث في هذه القصاصات المهملة، التي بان أنها كأعمال السحر والشعوذة «دنابيش».
إن حديث الشيخ العبيكان في تهجمه على الإدارة العليا والوزراء وهو ما زال في منصب الوزارة هو نقض لعهدها وعدم قيام بحقها. فلا أعلم أن وزيرا في بلاد الغرب والشرق قد انتهك حرمة وزارته، فحدث بما يظن وما لا يظن تخرصا أو تشفيا أو إفسادا قبل أن يستقيل من الوزارة. (وهذا كولن باول وزير الخارجية الأمريكي وغيره (عبر الإدارات المتعاقبة) تنازعوا نزاعا شديدا مع الرئيس الأمريكي وإدارته ولكنهم لم يخرجوا -وهم في أكثر الدول حرية للرأي- فينثروا نزاعاتهم وشكوكهم الظنية أمام الناس قبل أن يقدموا استقالاتهم، ولو فعلوا لاحتقرتهم شعوبهم. (وهذا على افتراض الفساد المستشري في تلك الحكومات، وإلا فالوفاء والمروءة والنخوة أن لا ينقلب الرجل على من ائتمنه ووثق به ولو ظن أنه قد ظُلمه لذا فإن هؤلاء الوزراء في الغرب لا يخرجون بالتصريحات عادة إلا في مذكرات للتاريخ بعد تغير الإدارة).
التعليق على الأقاصيص التي حدث بها الشيخ العبيكان وإظهار سذاجتها وتناقضها كثير وسهل، وقد ضربت لبعضه المثل ولا مجال لحصرها هنا. ومن أمثلة بعد تفسيره للأمور عن الواقع قوله إنه لم يعد يرى صور الملك كما كانت من قبل على السيارات، ثم يفسر ذلك بتفسيرات شاذة بمستوى شذوذ دعوته إلى السحر، وقد غاب عنه أن الناس ليس من السذاجة لكي يحتفلوا بعودة الملك من رحلة علاج أو نصر أبد الآبدين؟ ومن تفسيراته العجيبة دعوته لمحاكمة الإعلاميين ونحوه وهم لم يفعلوا شيئا فيتأول ويفسر ذلك بتعطيل النظام . وقد نسى في غمرة تزكيته لنفسه أن الأولى منه أن يدعو إلى أن يُحاكم هو أولا لكي لا يتعطل النظام. ففي نظام محاكمة الوزراء يسجن الوزير من ثلاث إلى عشر سنوات في حالة التدخل الشخصي في القضاء. والعبيكان لم يتدخل فقط بل شكك في أمانة القائمين عليه واتهم نياتهم وأهدافهم، فماذا بقى للبلاد بعد الدعوة إلى الطعن في قيادات القضاء (هذا إن لم يتغير النظام أو يكون تفسير اللائحة التنفيذية لهذه المادة بعيدا عن ظاهرها).
والجامع لما يمكن أن يقال عن موقف الشيخ وهمته ومستوى إدراكه وعقله ومصداقية حديثه ونخوته ووفائه، تجمعها جملة المسكوت عنه في حال الشيخ العبيكان : اختار موسى من قومه سبعين رجلا فخذلوه، واختار علي أبو موسى في التحكيم (رضي الله عنهم أجمعين)، والعبيكان قد أُختير فأُكرم فرُفِعوه من مستوى الشعوذة والسحر لكنه أبى إلا أن يعود إليه، فقها وعقلا وهمة ومروءة.

د. حمزة بن محمد السالم
***
عبدالمحسن العبيكان.. الآمر الناهي في برنامجه!

لا أعتقد أن إذاعة (يو أف أم) كانت على علم سابق بالتصريحات الرعناء التي أطلقها عبدالمحسن العبيكان في برنامجه الذي بثته الإذاعة يوم الجمعة, حيث قال كلاماً غير مسؤول أفشى فيه معلومات تعتبر من أسرار العمل التي أؤتمن عليها, كما أطلق اتهامات دون دليل ودون غاية إلا الإرجاف وتصوير واقع الدولة على غير واقعها الحقيقي, وما ذاك إلا رغبة منه في الحصول على مكاسب شخصية.
نقول إن الإذاعة لا تعلم بالتأكيد أن العبيكان سيتحدث بهذا الشكل المسيء, لكنها مع ذلك تبقى مسؤولة عن كل ما يُطرح فيها, وكان الأولى أن تضع مَن يتابع كلام المذيع وضيفه العبيكان ليضمن التزامهما بخط سير البرنامج وعدم انحرافهما نحو قضايا تتناقض مع سياسة الإذاعة, وهذا معمول به في كل وسائل الإعلام العالمية المحترمة التي تعتبر البث المباشر أمانة كبيرة ولا يمكن أن تمنحه لأي من كان ليتحدث فيما يشاء.
وللأسف هذا من الأخطاء الفادحة التي ترتكبها الإذاعات والفضائيات السعودية حين تمنح الثقة كاملة ل"المشايخ" وتفتح لهم "الهواء" ليتحدثوا في أي موضوع يريدونه دون رقيب أو حسيب, وليستغلوا هذا المنبر لتلميع ذواتهم وتحقيق مكاسب شخصية دون اعتبار لتأثير كلامهم على استقرار الوطن وأمن المواطنين والكوارث في هذا الباب أكبر من أن تحصى, حيث لا يمر شهر دون أن يرتكب أحدهم "باقعة" لا تغتفر, ولعل آخرها تطليق مواطن سعودي لزوجته على الهواء مباشرة تنفيذاً لنصيحة رعناء من مذيع البرنامج غازي الشمري.
وإذا أضفت لها تصريحات محمد العريفي وفتاوى "مشايخ" القنوات الدينية ، إلى جانب تصريح الشثري المشهور, وفتوى قتل ملاك الفضائيات, وقتل ميكي ماوس, فسيتضح لك أن الخطأ يكمن في هذه الثقة المطلقة التي تمنحها المؤسسات الإعلامية ل"الشيخ" ليتحدث فيما يريد دون رقابة, فالبرنامج يعتبر ملكاً من أملاكه الخاصة وهو من يحدد المحاور والقضايا التي سيتناولها وليس لأحد أن يسائله فيما يفعل.
هذا الواقع الإعلامي خاطئ تماماً ولابد أن يتغير, ولابد للقنوات والإذاعات أن تتعامل مع هؤلاء مثل تعاملها مع أي مذيع آخر, فتناقشهم في ما يطرحون, وتحذرهم من أن استقرار "السلم الاجتماعي" يعتبر خطاً أحمر لا يحق لأي من كان أن يهدده, وإذا لم يلتزم بذلك فيحق للمؤسسة أن تحاسبه, لأنه خان أمانة "الهواء" وأحرج المؤسسة بحديثه عن قضايا تتناقض مع سياستها المعلنة.
ما يجب أن نعلمه أن التصرف الأرعن الذي قام به العبيكان سيتكرر مجدداً إذا لم تغير الفضائيات والإذاعات من تعاملها مع "مشايخها" وإذا لم تنزع عنهم هالة القداسة فتبدأ بالتعامل معهم كموظفين مثلهم مثل أي موظفين آخرين لديها, علّهم بذلك يدركون أن "الهواء" مسؤولية ولا يجوز لهم أن يستغلوه لتهديد أمن الوطن والمواطنين.
مثل هذه البرامج تُجيّش الشارع وتصنع "الكوابيس" وتهدم ما تبنيه الدولة وتحرج المجتمع عالمياً بفتاوى غريبة لا تصدر عن عاقل, حتى أصبحت مصدراً للإرجاف تجاه أي مشروع نهضوي للمجتمع كمشروع عمل المرأة والسينما والترفيه وغيرها. وإذا أردنا أن نقضي على هذه الآراء الشاذة فلابد أن تُراقب الفضائيات والإذاعات محتواها جيداً وأن تتدخل -أثناء البث- لمنع أي مذيع من استغلال موقعه لتمرير أجندته الخاصة.


رجا ساير المطيري
***

سكينة المجتمع .. والتهديد بالتغريب



استمع الناس في اليومين الماضيين إلى العبيكان الشيخ المُثير للجدل في تصريحاته وفتاواه وخصوماته مع الآخرين منذ أكثر من عقدين من الزمن، وكان في سياق حديثه الفضائي مندفعاً لتفريغ شحنة أعدها فيما يبدو سلفاً، جمع فيها كل شيء إلا الحكمة وصدق المعلومة، ومع أني لا أتابع عادة هذا الشيخ لكني بحثت عن موضوعه المثير فوجدته بعد عناء بجوار مقطع راقص لفضيلته .
إذ شرع في حديثه الفج مخوفاً البلاد والعباد من تغريب قادم سيكتسح أحكام الشريعة بحيث يستطيع أن يغير بقدرة قادر دستور الدولة ويطمس هويتها بالكامل ، وهو في سياق هذا الإرجاف الذي هز المشاعر وتناقله المغرضون يعلم أن من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون والظالمون والكافرون، وأن حديثه ينطوي على تحريك غير مسبوق لمشاعر المواطن في اتجاه تشكيكه في ثبات دولته على دستورها وترويعه بقادم نَسَجهُ خيالُه تحتَ تأثير ظرف مُعين فيما يبدو . وأن الدولة في مفهوم سياقه بهذه الهشاشة نحو ثوابتها في إمكانية التحول والتغيير.
ولا شك أن المزايدة على هذه الأمور هي مناورةٌ خاسرة لا تخدم المصلحة العامة أبداً، وإن خدَمتْ صاحبها ساعات معدودة قبل استعادة المتلقي لوعيه نحو الأهداف والأبعاد لمثل هذه الأطروحة المرجفة . وهذا يُذكّرنا بالإرجاف الحاصل إبّان حرب الخليج الثانية حيث تم فصلُ هذا الشيخ من منصب القضاء على خلفية وقائع هيّج فيها الرأي العام نحو الدولة بالضرب على نفس الوتر وهو اتهام الدولة بمنهج التغريب بأنظمة مدنية ومالية ومنكرات واختلاط في كليات الطب إلخ... ثم أُعيد لعمله شرط ألا يرجع قاضياً يحكم بين الناس ، وصاحبنا هو من أثار العديد من الضجيج في مناداته بشرعية الحاكم العسكري المحتلّ في العراق آنذاك في أمر ليس من شأنه أصلاً الدخولُ فيه ، وسبّب ضجيجاً حولَ موضوع السحر جعل الناس يتوافدون على السحرة ويشجعونهم ، كما سبّب جدلاً قبل ذلك حول رؤية الأهلة وشكّك حسب لازم قوله في صحة صيام الناس في بعض السنين، وتصادم مع كبار العلماء في المملكة حتى وصفَ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء باللجنة النائمة ! وهو وصفٌ بشعٌ كاذبٌ ما جرأ عليه حتى حملة الفكر المتحرر.
وفي يقيني أنَّ كلامَهُ يمثّل خطورة شديدة لا بُدَّ من معالجتها واتخاذ تدابير وقائية لمنع توظيفه أو استدراجه من قبل المغرضين ، وهو يتكلمُ مع بالغ الأسف ِ عن موضوع بحجم هُوية الدولة وبحجم دستورها الذي قام عليه كيانُها، ونعلمُ والله أنه كلامٌ عارٍ عن الصحة يرفضه كلُ من علمَ تمسكَ هذه البلاد بدينها والتضحية دونه بالنفس والنفيس ، وكلامٌ يُحاسب عليه قائلُه شرعاً ونظاماً ولا حصانة لأحد في هذا الأمر الجلل ، وخصْمُهُ في هذا الحقائقُ الماثلة والأسسُ الراسخةُ التي تجيبُ على كل كلمة تهجم فيها ، وهيّج عليها ، محاولاً ترويجها في سوق المزايدة، ولا رهان لمثل هذا الكلام الفج إلا على المشاعر الدينية مع توظيف بساطة غالب المتلقين وغفلتهم عن بواطن الأمور التي قد تكون دافعةً بلا شك نحو أمثال هذا الطرح المفاجئ وخلفياته الأخرى ، حيث لا يُعرفُ عن صاحبنا بعد مجازفاته أيامَ حرب الخليج الثانية سوى إصدارُ فتاوى سبق أن اتهمه فيها عدد ممن رد عليه بالتساهل في الدين ومحاولة إذابته والدفاع عن المستعمر وإحلاله محل الحاكم الشرعي، وللشهرة دوارٌ أسوأ من دوار البحر ، وللتعلق بالمناصب مضارٌ لا تقل ُ عن هذا الشر .
والسؤال: هل يقصد بتخويف الناس من أنظمة إجرائية مستفادة من الغير كما في نظام المرافعات الذي لا أعلمُ نصاً واحداً فيه يمكن أخذُه ُمن مرجع فقهي ، فهي شؤونٌ إجرائية لا علاقة لها بالأحكام الشرعية الموضوعية ، بل ولا أعلمُ نصاً فيه إلا وقد أخذ من تجربة أجنبية والحكمة ضالة المؤمن وقد صدر النظامُ قبل أكثر من عشر سنوات، أو يقصدُ مثلا التنازل عن شرعية الدولة وإلغاء حد السرقة والزنا والقذف والمسكر بسبب التوجه الذي يُنذر به صاحبنا، وهو تصريح ٌخطير جداً لا أعتقد أن أحداً وصلت به جسارته على تهديد الأمن الوطني في سكينة الناس وأمنهم على دينهم إلى هذا الحد.
أما اختلاط النساء في المحاكم فهو يعلم أننا منذ عُرفَ تاريخُ المحاكم والمرأةُ ترتادها وتُنهي مصالحَها بكل أدب وستر، وإذا اعترض صاحبنا على هذا فليعترض على وجودها في الأماكن العامة وليعترض على طوافه وسعيه معها في حرم الله تعالى، ولا يعني هذا أننا نجيز الاختلاط المحرم مطلقاً فهذا شرٌ ننكره أشدّ الإنكار، ولا نراه والله ِلا في عمل ولا تعليم.
أما الأحكامُ القضائية فهذه للسلطة القضائية وهي المسئولة عنها ومرجعُ هذه السلطة المحكمة العليا وليست أيُّ جهة قادرة على أن تملي على المحكمة العليا ولا غيرها نصوصاً تنسف من خلالها أحكام الشرع.
لقد ذكّرنا هذا الهيجانُ في دواخل فضيلته (لأسباب الله أعلم بها) بهيجان سابق مشابه في حرب الخليج الثانية عندما انتقد الدولة في شؤون تتعلق بأمور شرعية من وجهة نظره ، روّع وقتها البلادَ والعبادَ من قادم موهوم أو موجود معدوم ، وله في هذا محاضراتٌ وخطب مسجلة لا نزال نستذكرها ، ومن استمع إليها في ذلك الوقت قال في غمرة التأثر: "على الدين والدنيا السلام".
ومن أعجب ما جاء في حديثه المشار إليه أنه انتقد دخول المرأة إلى المحاكم مطلقاً، وهو كما قلنا مما جرى عليه العرف بأدب الإسلام، منذ عُرفتْ المحاكم حتى الآن ، لكنه تناقض وطالب بالترخيص للمرأة بالمحاماة في قضايا الأسرة، والمحامية ستحضر وتدافع عن موكليها أمام القضاء وتزاحم الجميع بل وتزاحمنا نحن المحامين.
الشيءُ الذي أعتقد أن صاحبنا نسيَهُ أنّ رصيدَه في الأوساط العلمية مشوبٌ بآراء لا تزال مثار جدل بل وتندر، حتى تبرأ من أطروحاته كبار الدعاة السلفيين في دول خليجية وحذروا حكوماتهم من دخوله إلى بلدانهم ، ولعل ّ من فتاواه الشاذة ما ذكره في أحد كتبه ( تحقيق غاية المرام ) بأن قراءة القرآن وذكر الله عز وجل يجوز في الحمام !! فلا بأس عند فضيلته أن تجلس على قضاء حاجتك وأنت تقرأ القرآن !!.
فلا نقبل ُ ولا يقبل كل ّمؤمن عاقل عارف بمنهج أهل السنة والجماعة في النصيحة أن يوقظ بحديثه الممتلئ بالأوهام والخيالات فتنة نائمة بين أظهُر الناس ، وأن يخرق مبدأ النصيحة الذي التزمه أئمة السلف الصالح من الصحابة رضوان الله عليهم فمن بعدهم إلى علماء هذا البلد الموثوقين السابقين والحاليين ( هذا على فرض صدق الدعوى بأن المقصود هو النصيحة ) .
وختاماً فإني أؤكد أن كل صوت أو خطاب أو أطروحة تبعث في صفوف الناس الفتنة ، وتُقدم ُ لأعداء الدين والدولة ومن يعملون على تفتيت لُحمة أبناء هذا الوطن وزرع البغضاء والشحناء بينهم وبين ولاة أمرهم ، أن هذا الصوت وذلك الخطاب صوت ٌ نشاز ٌ وخطاب إفسادي هادم . عار عن الحكمة والنُصح لله ولرسوله وللمسلمين ، مُضح بالمصالح العليا ومُعرّض أمن البلد واستقراره ومن ثم ّ أعراض ودماء أهله للشر ّ والخطر .
فرحم َ الله كل َ صوت داع للوحدة واجتماع الصف وتوحد الشمل ، وكفانا الله كل ّ صوت خارج عن ذلك .
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم .


محمد بن سعود الجذلاني

***

حوار وطني مع الشيخ العبيكان


الاعتراف بالخطأ جزء من مراجعة الإنسان لذاته ولعل الشيخ يدرك تلك الأزمة التي خلقها للمجتمع بفكرة اعتقد انه اليوم يتمنى انه لم يلقها في رحم المجتمع، فنحن البشر قد تغيب عنا الكثير من الحقائق ونتصرف وفقاً لمعارف ومعلومات ناقصة ونفاجأ أننا ارتكبنا خطأ كبيراً عندما تتضح الصورة أمامنا

لم أكن يوماً لأدخل في حوار مع أحد نتيجة آرائه التي يتبناها لآني أؤمن أن لكل فرد الحق في أن يعتقد في أفكاره ما يريد فالاختلاف سنة طبيعية بين البشر ولا يمكن لأحد أن يكون (هادياً ) للناس كي يكونوا ملة واحدة في التفكير لأن الله سبحانه خلقهم كذلك يختلفون بينهم وتتطارح أفكارهم فهذه هي الطبيعة البشرية ولكن هل الاستسلام لهذه الطبيعة يعني الإيمان بأن يطلق الفرد لأفكاره العنان دون تميز ودون معرفة لتلك الآثار التي تتركها تلك الفكرة على المجتمع.
الاختلاف بين البشر موجود ولكن مشتركاتهم في الحياة المجتمعية والثقافية تفرض عليهم عناية بالكثير من الأفكار التي يجب أن يقف الإنسان مرات ومرات قبل أن يطرحها للنقاش اجتماعياً فقد تغش هذه الأفكار صاحبها باعتقاده أنها هي الصحيحة، فكثير من الآراء تبدو كالسراب يحسبه العقل ماء ثم إذا وصل إليه لم يجد شيئاً عنده ولكنه يجد المجتمع هناك يناقشه ويقيّمه على ما يصدر منه.
قبل أيام تحدث الشيخ عبدالمحسن العبيكان وهو رجل علم بحسب معاييرنا الثقافية واستمعت إلى كثير مما قاله حول تصوراته الفردية عن القضاء وأن الوطن يتعرض إلى نوع من الهلاك كما يسميه من خلال مشروعات تغريبية كما يقول عنها وخصوصاً فيما يخص القضاء والمرأة بجانب فكرة سياسية لم أعهد من أمثال الشيخ الحديث عنها وهي مناقشته أفكاراً حول من سماهم المتنفذين الذين يريدون هلاك المجتمع ولعل الشيخ نسي حجم النفوذ الذي يحظى به ثقافياً وبيروقراطياً.
سؤال مهم أوجهه إلى كل فرد في هذا المجتمع عن تلك السنوات التي خلت عندما كان المجتمع مأسوراً تحت بعض الرموز التي ادعت حرصها على المجتمع وتمادت في هذا الحرص إلى درجة فقدان الفرق بين الحقيقة والخيال فيما يطرح مجتمعياً.
إن ما أطلقه الشيخ من عبارات حول القضاء ومسلسل كشف الحقائق كما سماه فضيلة الشيخ تقودني إلى أن أعود بذاكرتي إلى تلك الأيام الماضية أي قبل ثلاثة وعشرين عاما من الآن لأذكر الشيخ بتلك الفترة عندما كانت أشرطته تملأ الفضاء المجتمعي وتداولها الناس ليس بقرار حكومي ولكن بقرار ثقافي فرضته تلك المجموعات المتنفذة من أتباع الفكر المتشدد الذي كان سائداً في ذلك الزمان.
قبل أن أسوق قصة شريط غريب للشيخ وفقه الله قبل عقدين من الزمن أريد أن يتذكر معي كيف كانت الأفكار تُفرض على الجميع حتى ان بعض الأشخاص تمت محاكمته ثقافياً في أروقة المجتمع لأنه خالف اتجاهات متنفذين في ثقافتنا كانوا يديرون المجتمع من الشارع وليس من مواقع المسئولية وتحمّل المجتمع والدولة تشدد بعض أبنائه، لأنه يدرك أن نهايتهم ستكون إلى العقل والحكمة ولكن هل كان ذلك مجدياً..؟.
قبل عقدين من الزمن استمعت إلى شريط كاست للشيخ عبدالمحسن نفسه وهذا الشريط معروف ويمكن العودة إليه يقول فيه الشيخ بالحرف الواحد "إن جن الفاتيكان أرسل جناً لبلاد الحرمين من أجل تنصير الجن المسلمين في هذا البلد" هل يعقل أن يكون ذلك على شريط يتلقاه المجتمع بجميع طبقاته!!!، ولعلي أتذكر أنني عندما تحدثت عن ذلك الشريط عند أستاذي عبدالرحمن البطحي رحمه الله قال لا يمكن أن يكون هذا صحيحاً ويصدر من مثل هذا الشيخ ولكني عندما أثبت له الحقيقة وأحضرت له الشريط فسمعه وقد أبدى تعجباً رحمه الله من هذه الفكرة.
باعتقادي أن الشيخ وفقه الله يحمل الكثير من الهفوات في مسيرته وهي ليست من اليوم وهذا ما يفسر تلك المراحل التي تناقضت فيها أطروحاته الفكرية وكان يمكن قبول تلك الأفكار منه على اعتبار أنها تهمه شخصيا ويمكن الرد عليها ولكن أن تتطور تلك الأطروحات لتصل إلى الحديث عن بعد اجتماعي وفكري يهم الناس جميعاً فهذا ما يجب التوقف عنده ومساءلته فكل من يعتقد أن حرية الأفكار المصبوغة بلمسة عقدية يمكن تمريرها تحت بند الخوف على المجتمع يجب أن يتوقف عن هذا المسار لأن الخوف على المجتمع قضية أفراد وليست مهمة فرد واحد.
الوطن ليس ملكا لأحد ولكنه ملك لكل من يعيش تحت ظله وقيادات الوطن هي من أجل الوطن ومواطنيه وليس من أجل تنفيذ استراتيجيات خاصة بها فكل من يساهم في هذا الوطن هو جزء منه ومن يعتقد أن وطنيته مربوطة بقدرته على إثارة المشكلات وطرح الأفكار المتناقضة فهو يخطىء كثيراً لأن الوطن هو إحساس مشترك قبل أن يكون قدرة نقدية فالجميع يمتلك القدرة النقدية ولكن القليل من يملك الحس الوطني.
إن ما طرحه الشيخ حول القضاء وحول بعض القضايا السياسية ذات العلاقة بإدارة الوطن وتنفيذ مشروعاته التنموية يجب أن يوقفنا جميعا وبكل حزم لأنه أصبح من واجباتنا إيقاف هذه النزعات الفردية بل والتعلم من دروس الثلاثين عاماً الماضية وخصوصاً من تلك الفئات التي أعطيت الفرصة لكي تصل في نفوذها إلى مواقع إدارية عالية ثم تفاجئك تلك الفئات بأن يصل نقدها إلى مواقع يجب أن تكون خطوطاً حمراء لأنها أشياء مشتركة بيننا لكل فرد في هذا المجتمع حق فيها.
من الناحية المجتمعية ووفقاً لتفسير مجتمعي يتوافق مع الطبيعة التي بني عليها مجتمعنا فإن هذا المجتمع لا يمكن أن يسير باتجاه مختلف عن ذلك الاتجاه السياسي والفكري الذي رسم منذ تأسيس هذه الدولة ، الوطن ليس أرجوحة فكرية يحركها الدفع الفردي فقط، والمجتمع لا يقاد بفكر يصنعه فرد بل يقاد بثقافة تبنى منذ اللحظة الأولي التي يكتشف فيها هذا الوطن وهذا ما حدث فعلياً على هذا الوطن بعمره الذي يتجاوز أربعة قرون مرت عليه الكثير من الأجيال فذهب الجميع وبقي كما هو.
تطوير سلك القضاء وهو ما أثار الشيخ كما يبدو ليس عملاً سلبياً فمن يقومون على هذا التطوير هم أحرص الناس ليس من أجل أنفسهم ولكن من أجل المجتمع الذي يتطور لأن العالم يتطور والحياة تتغير وسلك القضاء وفقاً لمشروع خادم الحرمين يقوم على تطويره جهاز وزاري يقوده جيش جرار من القضاة والعلماء والمستشارين.
الاعتراف بالخطأ جزء من مراجعة الإنسان لذاته ولعل الشيخ يدرك تلك الأزمة التي خلقها للمجتمع بفكرة اعتقد انه اليوم يتمنى انه لم يلقها في رحم المجتمع، فنحن البشر قد تغيب عنا الكثير من الحقائق ونتصرف وفقاً لمعارف ومعلومات ناقصة ونفاجأ أننا ارتكبنا خطأ كبيراً عندما تتضح الصورة أمامنا .


علي الخشيبان

***

 العبيكان والتكهن الأعمى

أثارت تصريحات الشيخ عبدالمحسن العبيكان المستشار في الديوان الملكي، بما يدعيه، أن هناك شخصيات تحاول قلب الموازين في التغريب وفي تغيير الدين. وكما ذكر العبيكان على مدار حلقتين من البرنامج الأسبوعي (فتواكم) بإذاعة UFM أن شخصيات محسوبة على القضاء تسعى لإفساد المجتمع وأنه قد يضطر لإعلان أسمائهم، كما أكد أن هناك من يَحُول بينه وبين لقاء خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز.
تلك التصريحات لا تغني من جوع، بل هي مفسدة للمجتمع، في إثارة الفتن، ليس لأن القضاء بمجمله نزيه، بل تصريح العبيكان لعامة الناس يضعنا في إشكالية كبيرة، سيما أنه معروف، وقد تتخذ أقواله بمحمل الجد لدى البعض وهذا بحد ذاته يدعو إلى الفتنة.
وفيما بعد تم إغلاق موقعه الرسمي الإلكتروني بفضل الله ثم بفضل الجهات الغيورة على وطنها، هذا الشيخ لا يكف عن بث اجتهادات لا حدود لها سواء على الصعيد الديني أو المذاهب أو خلاف ذلك. ولا أحد ينسى فتاويه الشاذة التي تتعلق بإرضاع الكبير، أي فتوة تلك، التي لا يصدقها العقل، لقد أضحك العالم عليه، خاصة الفتوى التي أطلقها بجواز الاستعانة بالساحر لفك السحر وبطلانه، وكما تعلمون من أتى ساحراً وصدقه فقد كفر بدين محمد والأدلة على ذلك كثيرة من القرآن والسنة. ولازال مستمراً في تحذيره بخطورة الاختلاط! ألا يثق بالمجتمع! وبالمرأة خصوصاً، هذا شك جماعي بعوام الناس، أين هو عن الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْم) الحجرات: 12.
نهاية المطاف أوجه رسالتي لكل عاقل، ألا يعي لأي كلمات هوجاء يحاول صاحبها أن يقف حجر عثرة أمام تقدم الوطن مستخدماً التشكيك والمزايدة، بل يضعنا في دائرة الرجعية العمياء، بل إعادة العادات البالية، التي كانت في زمن الجاهلية، من تخدير العقل وتغييبه. فقد بيَّن أن الباب بينه وبين خادم الحرمين الشريفين مسدود وهو مستشاره في ديوانه! هنا فقد المصداقية للجميع. فجميع ما يدعيه ليس فيه شيء من الصحة حيث إن باب قائد هذه الأمة المحبوب من الشعب مفتوح للجميع. وأختم مقالي بهذه الآية للتدبر (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) الحجرات:6.


خالد الوحيمد

***

الصلاة التي لم يصلها العبيكان

حين يقول العبيكان إن الملك يحبه كثيرا وإنه يحب الملك أكثر فإنه إن صدق فيما قال يدين نفسه ،فالحب من شأنه أن يمنع المحب من أن يتعرض لمن يحبه بالإساءة، وما أقدم عليه من أحاديث تبلغ غرابتها حد التشكيك في نواياه أو قواه العقلية مسألة لا تخلو من أحد أمرين، فهي إما أن تكون من باب إفشاء سر ما هو مؤتمن عليه بحكم عمله ذلك، أو أن تكون إدعاء لما لا تقوم عليه حجة أو دليل، وكلا الأمرين لا يمكن أن يصدر عمن هو مخلص في حبه مثمن ومقدر لما يلقاه من حب وتقدير.
• • ويزعم العبيكان أن الملك كان يستشيره في أمور مهمة ثم يتحدث بعد ذلك عن تعذر لقائه بالملك كي يشير عليه بما يراه، وهو بما يقول يكشف عن جهل بمفهوم الاستشارة ويخلط بينها وبين النصح على فرض أنه كان يسعى ليكون ناصحا أمينا لمن يزعم أنه يحبه أكثر، فالاستشارة تطلب ولا تفرض وليس من حق من يستشار أن يلزم المستشير باللجوء إليه في كل أمر خاصة أنه يعلم أنه ليس وحده من يتفرد بدور المستشار إلا إذا توهم أن ليس فوق الأرض من هو أقدر منه على إبداء الرأي في كل ما يعرض لمستشيره من أمر، ثمة تضخم في الذات يجعل من الاستغناء عن استشارته حدثا جللا يمس أمن البلاد ومستقبلها اضطر معه أن يصلي على حد زعمه صلاة الاستخارة قبل أن يقول للناس ما كان يريد أن يقوله للملك إبراء لذمته وحفاظا على البلاد التي يتوهم أن أمنها ومستقبلها معقود عليه مرتبط برأيه أو كما يزعم أنه إنما يتحدث بما يتحدث به «حرصا على سلامة الدولة والمواطنين والدين والأخلاق»
• • ولو عرفنا أن ما كان يسعى لكي يبلغه الملك هو ما أدلى به من حديث وما بدر عنه من تصريحات لعرفنا العلة أن الملك لم يكن يلقي إليه بإذن صاغية، فوقته لا يمكن له أن يستمع إلى ما توسوس به نفس العبيكان وما يمليه عليه سوء ظنه بالناس والمستقبل وما تشكله آراؤه من خطر يتهدد ما تشهده المملكة من الانفتاح على العالم والاستفادة من المنجز الإنساني والمشاركة الفاعلة في صياغة القرار الدولي على المستوى السياسي والاقتصادي والثقافي، لم يكن للملك أن يهدر وقته الذي هو ملك للوطن جميعه لكي يصغي إلى رجل يلبس لكل حالة لبوسها وتخاتله أوهامه فيكون مفكرا يحذر من الأفكار الهدامة وإداريا له رأي في هيكلة المؤسسات ورجل أمن يحذر من مؤامرة تستهدف قلب النظام ورجلا غيورا يزعجه المس بالأخلاق وسفر «الحريم» على حد تعبيره.
• • إن من يقرأ تصريحات العبيكان يعرف تماما لماذا أصبح المستشار الذي لايستشار وكان الأحرى به أن يقبل بما انتهى إليه أمره ويكتفي بما يصرف له آخر الشهر من راتب يوشك أن يكون من باب الصدقة أو يطلب إعفاءه من مهمته إن استشعر أنه لم يعد قادرا على أن يقدم شيئا وأن من كان يتخذه مستشارا لم يعد يبقي عليه إلا من باب فضل الكبير ورب العائلة .
• • أما صلاة الاستخارة التي حرص العبيكان على أن يضمنها تصريحاته تظاهرا بالتقوى، وقد كان الأولى أن تكون بينه وبين ربه، فمن حق من يقرأ تلك التصريحات أن يرى أنه - على ما يبدو - لم يكن مخلصا في تلك الصلاة إن يكن قد صلاها بحق، ذلك أن صلاته كانت حَريَّة أن تنهاه عن منكر أن يفشي سرا هو مؤتمن عليه كما تنهاه عن فحش يتمثل في إثارة البلبلة في المجتمع والتشكيك في شرائح كريمة من المواطنين وإثارة الشبهات حول رجال ولي الأمر المخلصين ، وليست بصلاة تلك التي توعز إليه بمخالفة النظام والخروج عن آداب مناصحة ولي أمر قربه إلى مجالسه واستخلصه مستشارا له.
• • ولو أننا تحققنا في أمر تلك التصريحات لتكشف لنا شأن آخر غير ما حاول أن يوهمنا به العبيكان من حديث عن أخطار تتهدد البلاد والعباد ذلك أن العبيكان رجل مفتون بأن يكون في دائرة الضوء وموضع حديث المتحدثين وحوار المتحاورين، ولعله لم يكن يؤذي نفسه إقصاؤه من مقابلة الملك بقدر ما كان يؤذيها أن يكون بعيدا عن موضع اهتمام الناس به وتطريز مجالسهم بسيرته ومستطرف آرائه ولعل من يتذكرون فتواه بجواز إرضاع الكبير يعرفون هذا الأمر فيه وكيف أنه لم يتوان عن إصدار فتوى عدت من طرائف العصر ما دامت تلك الفتوى تحقق له ما يشتهيه من حديث عنه حتى وإن استجلب ذلك الحديث شماتة الأعداء وحسرة الأصدقاء ورسم صورة سيئة وغير صادقة عنا حين يتحدث أعداء لنا عما بلغته الفتوى من انحطاط أخلاقي يجوز فيه للمرأة أن ترضع سائقها لكي يصبح محرما لها وغير محرم عليها الاختلاء به.
• • والعبيكان رجل حريص على أن يكون له في كل جماعة مكانا ويكون في كل قوم إماما حتى وإن وقع في التناقض وأمسى على غير ما أصبح عليه وخرج من قوم ليدخل في قوم وفارق مذهبا ليلج في مذهب...فبعد أن كان محسوبا على أنه فقيه متنور حتى عده التنويريون واحدا منهم واعتبره المتشددون من أقسى خصومهم عاد في تصريحاته الأخيرة ليحجز لنفسه مكانا متقدما في صفوف التشدد ممعنا في الحديث عن التغريب مهددا بمخاطره مخوفا منه على نحو لا يختلف عما كان يقوله ويقوله أولئك الذين يتعمدون إثارة الفتنة وتأجيج الأنفس وتمزيق وحدة الصف انطلاقا من سوء الظن بالناس والتخوين لهم والتخويف منهم.
ولم يكن العبيكان تنويريا حتى لو بدا في آرائه آنذاك ما يوهم بالتنوير..فالتنويري لا يمكن له أن يرتد بين يوم وليلة على عقبيه لكي يكون داعية للتشدد وأشد ما أخشاه أن لا يكون متشددا كذلك وإنما هي مواقف تنبني على حسابات المكاسب والخسائر فقد ظهر في صورة تنويري حين كانت البلاد تخوض معركة أشد معاركها ضد التكفيريين والظلاميين وحين تبين له أن الناعقين بدأوا يطلون برؤوسهم في مناسبات متوالية وترتفع أصواتهم ضد ما تشهده البلاد من انفتاح يتمثل في مختلف المجالات عز عليه ألا يركب تلك الموجة فراح يدعو بالويل والثبور وعظائم الأمور مرددا الأسطوانة المشروخة عن مخاطر التغريب ومفاسد من يتوهم أنهم يدعون إليه.


د. سعيد السريحي

***
إنه «المدعو» العبيكان
لأن حركة المجتمعات دائمًا ما تموج بالعديد من الأفكار، التي يُفترض أن تتلاقى في النهاية ـ مهما اختلفت ـ عند كلمة سواء، هدفها بيان المعنى الحقيقي لمنظومة القيم العامة السائدة، لذا لا نستغرب أن يظهر بين الحين والآخر بعض الشواذ، مستفيدين من هذه الحركة نفسها، ويركبوا الموجة باسم أي شيء.. رغم تناقضاتهم وعثراتهم التي يحاولون التمويه عليها أو تناسيها.
عبدالمحسن العبيكان، للأسف الشديد، واحد من هؤلاء، رغم كل تجمّلاته في السنوات الأخيرة، إلا أنه عاد إلى سيرته الأولى، التي كان يظن أن الناس نسوها، ولكن قناعه سقط، فبرزت كل عوراته الفكرية والنفسية بشكلٍ مريب.
ولأننا لم نُشفَ بعدُ من وجود مجموعة متشدّدين، بشكل أو بآخر، وكلّ منهم يريدنا أن نسير في فلكه، ينظرون ويفتون ويفسِّرون كما شاء لهم الهوى، قبل أكثر من 20 عامًا، كانوا يدّعون أنهم قادة الصحوة، ثم تراجعوا وأطلقوا على أنفسهم المجدّدين، وكأن المجتمع السعودي، بكافة علمائه ورجاله وأعلامه، لا يوجد فيه مَن يفهم إلا هم. ودائمًا تجدهم عكس الاتجاه لا يرون خيرًا إلا في اتباعهم، وللأسف لم يسلم منهم مشايخنا الكبار الذين نُجلُّهم، ولا قادتنا السياسيون ولا حتى عامة الشعب.
فالعبيكان، الذي نسي أو تناسى الأمانة التي يحملها ـ كمستشار ـ عاد لممارسة تقلباته الفكرية وتناقضاته النفسية، وخرج عبر محطةٍ إذاعية، بأقاصيص وحكايات يمارس فيها دور الشعوذة الفكرية، بسحر القول، محاولًا السيطرة على عقول مستمعيه، وتهجّم على الإدارة العليا والوزراء والمسؤولين، خارقًا بذلك عُرفًا أدبيًا وأخلاقيًا على الأقل، وهو عدم الانقلاب على مَن ائتمنه على منصبه، واستعان به "مستشارًا" ووثق به، ولكنها النفس الأمّارة بالسوء إذًا.
والعبيكان الذي تحدّث بالتشكيك، حتى في التلاحم الوطني الشعبي بين القائد ومواطنيه، واصل تفسيراته العجيبة، وخيالاته المريضة، ليطعن في القضاء وهاجم وزارة العدل، ودعا لمحاكمة الإعلاميين وغيرهم، ووصف المرأة بأنها مثل "الماعز".
باختصار: لم يسلم منه أحد، ونسي العبيكان أنه كان الأولى بالمحاكمة وتطبيق النظام ـ الذي وصفه بالمعطّل ـ عليه هو أولًا.. نظير خروجه على الأمانة، واتهاماته العشوائية، التي ظنّ أنه يُعيد بها سيرته الأولى، التي تُعيدنا إلى مرحلة ما قبل ثلاثة عقود، حيث كان كل من امتطى المنبر، أو سجّل شريطًا، يُجلجل من خلاله بأساطير وأوهام، يحمله البسطاء والمغرَّر بهم، كأنه إمام الزمان وشيخ العارفين وقدوة المتقين.
صحيح أن "المدعو" العبيكان استغفر وتاب، ولكن يبدو أنه لا استغفار أو توبة؛ لأنه عاد لممارسة ما تاب عنه.. فها هو يُجيز الذهاب للسحرة للاستشفاء، مستدلًا بالشاذ والضعيف والمتروك، وتمادى ليتَّهم غيره من أهل الحِل والعقد والعلم والثقافة بأنهم يريدون نشر الفساد في بلاد الحرمين الشريفين، متناسيًا أن ترويجه للسحر هو نوع من الفساد الذي يستوجب العقاب وقطع الرؤوس.. وواصل خُرافاته، ليتحدَّث عن فتوى "إرضاع الكبير" .. ولذا يكون تباكيه على وجود نساء مسلمات في وفدٍ رسمي مع الشيخ الفاضل وزير العدل، حالة مزرية لمدى التخلف والجهل الذي وصل إليه الرجل من فقر فكري ومأساة عقلية.
مشكلة العبيكان وأمثاله، أنهم يحاولون أن يكونوا حاضرين في الصورة، بأيّ شكل، ولو بالباطل، حتى لو كان ذلك على حساب دينهم ووطنهم وضميرهم، دون أن يتعلموا دروس ماضيهم، ويتعظوا منها.. ودون حتى أن يتعلّموا كيف يحفظون الأمانة التي ألقيت عليهم.
مشكلة العبيكان أنه رجل لا يزال يعيش في الماضي، والأوهام، والتخيُّلات والمؤامرات، لم يخرج بعد من كهفه القديم، فيبدو أكثر حماقةً مما سبق، وأسوأ أدبًا بما تحدث.
مشكلة العبيكان أنه كغيره من المتشدّقين، استعاد خطيئة بعض ممن سبقوه من المشتغلين باسم الدين، الذين للأسف لا يزالون يعتقدون أن الدولة تستمد شرعيتها منهم وليس من الإسلام.
هذه الثلّة تعيدنا لنفس الفكر الاستبدادي، الذي يتوهَّم أنه كل شيء، أو كما قال لويس السادس عشر في فرنسا قبل قرون: "أنا الدولة والدولة أنا"، لذا نجدهم يعتقدون أنهم هم الدين.. وهذا مكمن الخطر؛ لأنهم يريدون تكبيل الدولة والمجتمع بالتغييب ونشر الجهل والإيقاع بالمواطنين والتغرير بهم بمثل هذه الشعوذة الفكرية والدونية الأخلاقية.
نحن اليوم في دولة المؤسسات، تستمد شرعيتها من البيعة العامة، لا شرعية شارع أو شخص أو تيار فكري منغلق ـ أيًا كان ـ يعمل ضد مصالح الدولة والمواطن.
وعلى "المدعو" العبيكان وأمثاله، أن يفهموا أننا لسنا في حاجةٍ إليهم.. نحن في حاجةٍ فقط لأوصياء سوى بالحق، وفي الحق وحده.
ليت العبيكان يحترم على الأقل تاريخ أسرته المثالي .


محمد الوعيل

***
الإذاعات الخاصة وإثارة الفتن
استمعت إلى إحدى الإذاعات الخاصة على FM وفي برنامج اسمته «فتواكم»، يتحدث فيها الشيخ عبدالمحسن العبيكان الذي يعرف الناس كلهم سيرته، ولا يخفى على العامة حاله، فينصب نفسه ناصحاً لولي الأمر ورجالات دولته، فأخذ يوجه التهم في كل اتجاه حتى أدعى أن ولي الأمر يخدع فتستصدر منه أوامر تخالف الأنظمة، وأن المفسدين كما يزعم يحاولون التلبيس عليه فينجحون، ويتحدث عن فاسدين يحتلون المناصب ويشترون ذمم الكُتَّاب بالملايين، ويشتد في اتهام الإعلاميين كلهم ويصفهم بالفاسدين ويدعي أن اللجنة الإعلامية بوزارة الثقافة والإعلام تخالف نظام القضاء ويريد أن تلغى، رغم أنه غير راضٍ عن القضاء ويدعي زوراً أن هناك مخططات لتغريب المرأة وإفسادها، وإحلال القوانين الوضعية محل الأحكام الشرعية، وأنهم أخذوا الموافقة على تعيين قضاة قانونيين، وأن هناك مخططاً أكبر للفساد ضد الحكم، استمعت للأسف للحلقة الثانية من هذه الثرثرة التي لا تعتمد إلا على أوهام، وعلى أن تضخمت ذات المتحدث حتى لم ير مدركاً للحق سواه، ولا داع للاصلاح إلا هو، فوزراء الدولة وعموم موظفيها أدوات للفساد الذي يحارب كما يزعم لزواله، حتى إنه يزعم مزاعم لم تردعه قوته المدركة أعني عقله أن يذكرها في بث على الهواء يسمعه الناس جميعاً، فيدعي أنه كان لا يحجب عن ولي الأمر وله لقاءات خاصة به لايشاركه أحد فيها، يرفع إليه النصائح ويأخذ بها، وأنه أحسّ بأنه إن قدم إليه شيئاً مكتوباً لن يصله، فرجاه ألا يسلمه إلا له، وأنه حجب عن ذلك بسبب من اسماهم المفسدين، وأن له شهوراً لم يلتق بولي الأمر رغم طلبه للقاء وكتابه إليه مرتين، وانتقد وفداً رسمياً زار الولايات المتحدة الأمريكية برئاسة وزير العدل ومن ضمنه مواطنات مثقفات لعل لهن من التخصصات العلمية ما لا يدركه صاحبنا هذا وعلا صواته قائلاً إني أسأل ما علاقة الحريم بالعدل والقضاء؟ فأسفت لهذا الأسلوب الذي تدنى إلى درك تمنيت لو أنه ترفع عنه، أما وقد حدث فلعله يحاسب عليه، حتى لا يتجرأ أحد على اتهام الناس بالباطل فهل نفعل؟. هو ما أرجو والله ولي التوفيق.

عبد الله فراج الشريف

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق