الأربعاء، 4 يناير 2012

أسرار السعودية في حرب العراق

هذه مقتطفات يسيرة من كتاب بوب ودورد خطة الهجوم والدور السعودي فيها

المؤلف/ بوب ودورد
تعريب/ فاضل جتكر
الناشر /مكتبة العبيكان
الطبعة / الأولى العربية
مجلد / في 658صفحة


 
المؤلف الصحفي الشهير (بوب ودورد) ـ أحد محرّري ومراسلي الواشنطن بوست، والذي أسقطت كتاباته الرئيس نيكسون من قبل ـ هو الآن يعيد تجربته مرة أخرى مع الرئيس الأمريكي جورج (بوش) (الابن) من خلال كتابين أثارا ضجة في العالم.
الكتاب الأول جاء عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو بعنوان: ((بوش) محارباً) والذي سرد فيه قصة الردّ الأمريكي على أحداث 11 أيلول، وقصة الحرب على أفغانستان، و بداية الاستنفار العالمي للقضاء على ما يسمى "بالإرهاب".
أما الكتاب الثاني الذي أثار ضجّة إعلاميّة واسعة، فهو كتاب (خُطّة الهجوم)، الذي قدّم فيه خُلاصة في السياسة، و رواية مفصّلة ـ إلى حدّ الملل ـ لتاريخ الحرب على العراق.
و (خُطّة الهجوم) كتاب مثير لضخامة معلوماته، حيث قضى المؤلف في إعداد كتابه نحو عامين، منها ستة عشر شهراً من الشهور الحرجة وراء الستار، يبحث في بداية ونهاية وتعليل الحرب على العراق.
وقام (ودورد) في سبيل بحثه عن المعلومات الضخمة التي ضمنها كتابه، بإجراء (75) مقابلة مع شخصيات هامّة من ذوي القرار، وقضى ثلاث ساعات ونصف في مقابلة مركّزة مع الرئيس (بوش) نفسه.
وروى في كتابه أيضاً قصة (87) جاسوساً في العراق، تابعوا الملفات الشخصية لـ (600) من رجال صدام المقربين.
إنه قصة مطولة لمراحل الإعداد والمعاناة، وصعوبة اتخاذ القرارات، وصراع الأطراف داخل البيت الأبيض، والنقاشات في وزارة الدفاع، والسي آي آيه، والمواجهات في وزارة الخارجية ومع العالم في الأمم المتحدة، وفي أوروبا، وصراع العلاقات مع العالم العربي، والأسلحة التي استخدمت في الحرب، واتصالات (بوش) وبلير، والصراع مع وزارة الخارجية، و دور الاستخبارات الإسرائيلية، ودور حلفاء الحرب، ثم... لماذا حدثت الحرب ؟
كما تعرّض الكتاب لحال العراق قبل الحرب، ولصدام حسين في محاولته قطع الطريق على الخصوم، وكيف استطاع ابن الانقلاب أن يسدّ طرق الانقلاب عليه، ثم وضع الكاتب رؤية وأفكار الحكومة الأمريكية بعد صدام، ومستقبل العراق الجديد.
يمتد الكتاب فيما يزيد عن ستمائة صفحة عبر رواية كاملة، مليئة بالحقائق والغرائب وتفسير المعلومات.
إنه تاريخ لفصل هام من تاريخ الجيش وسياسة البيت الأبيض تجاه منطقتنا المتقاتل عليها، وصراع التوجهات التي تُراد لأمتنا.
يقول المؤلف موضحاً هدف كتابه: يستهدف هذا الكتاب تقديم صورة لما وراء الكواليس التفصيلية الأولى لشكل ودوافع قيام الرئيس جورج (بوش) الابن، ومجلسه (الحربي) وحلفائه باتخاذ قرار شن حرب استباقية على العراق من أجل إسقاط صدام حسين. ويضيف: أمّا المعلومات الواردة فيه فهي مستخلصة من لقاءات مع (75) شخصاً كانوا منخرطين انخراطاً مباشراً في الأحداث، بما في ذلك أعضاء مجلس الحرب، وعناصر من جهاز العاملين في البيت الأبيض، وموظفون في مستويات متباينة في وزارتي الدفاع والخارجية، إضافة إلى وكالة الاستخبارات الأمريكية.
ويوضح المؤلف هدفه الذي يريد إيصاله للقارئ: أردت أن أوصل القارئ إلى أقرب نقطة ممكنة من بؤرة اتخاذ القرار الذي ما لبث أن قاد إلى الحرب، وكان سبيلي إلى ذلك هو إعادة سرد جملة الاستراتيجيات الاجتماعية والاتصالات الهاتفية، الجلسات التخطيطية، الدوافع، المآزق، المطبات، الصراعات، الشكوك... والعواطف المنطلقة من عِقالها.
في 11 سبتمبر.. النهوض على الأشلاء
يقول الكاتب: لقد وجه الإرهابيون الذين ضربوا البنتاجون في 11 سبتمبر طائرتهم إلى المبنى الواقع في الطرف المقابل لمكتب رامسفيلد، محدثين فتحة واسعة، وقاتلين (184) شخصاً. وفي الساعة الثانية والدقيقة الأربعين من بعد ظهر ذلك اليوم ـ أي بعد أقل من تسع ساعات على الهجمات ـ بادر رامسفيلد وجهازه إلى طرح إمكانية الانقضاض على العراق رداً على تلك الهجمات، وعدم الاكتفاء بضرب أسامة بن لادن. وفي اليوم الثاني مباشرة، وأثناء حضوره مجلس الحرب المصغر، قام رامسفيلد بوضع الفكرة أمام الرئيس، ولكن على صيغة سؤال مفاده: ألا توفر الهجمات الإرهابية فرصة للانقضاض على العراق؟
على أن الفكرة تراجعت نسبياً في النقاش المستفيض الذي تمّ في (كامب ديفيد) بعد أربعة أيام، بل إن (ديك تشيني) نصح بعدم مطاردة صدام حسين؛ لأن ذلك سيضيع مكانة أمريكا المشروعة كطرف محبّ للخير، في حين أبدى (باول) معارضة شديدة لفكرة الهجوم على العراق، نظراً لأنه لم ترد علاقة حقيقية بين صدام وأحداث سبتمبر من جهة، ولأن مثل هذه الخطوة قد تدفع أعضاء في التحالف الدوليّ إلى النأي بأنفسهم عن الركب من الجهة الثانية، وهو تقريباً نفس ما أقرّه كل من رئيس جهاز العاملين في البيت الأبيض (أندرو كارد)، و(جورج تينت) الذي أوصى بضرورة بقاء الهدف الإرهابي الأول متمثلاً بأفغانستان، لا العراق.
أولى حروب القرن
ويضيف (بوب):كان حساب الأصوات داخل مجلس الحرب الأمريكي يومها يدل على أن معارضة ضرب العراق متمتعة بأكثرية (4 (مقابل صفر مع امتناع رامسفيلد عن إبداء رأيه، أو مقابل 1 إذا ما قرّر الإفصاح عن وجهة نظره.
بعد ظهر اليوم التالي (16/9/2001) قال (بوش) لرايس إن "الهدف الأول للحرب على الإرهاب سيكون أفغانستان، مضيفاً: لسنا بصدد العراق الآن، من الأنسب أن نؤجل موضوع العراق، غير أننا سنعود إليه لاحقاً".
يقول بوب (ودورد): تلقّى (فرا نكس) تكليف (رامسفيلد) بإعداد خُطّة الحرب بغضب، لكنه سرعان ما هدأ، وقال لرئيس عمليّاته: سنزودهم بأفضل ما عندنا حول هذا الأمر (...) لن نفعل أكثر مما نستطيع فعله، ولا أستطيع أن أتصور أن هذا الشيء سنكون عاكفين عليه في أي وقت قريب، إلا أن (رامسفيلد) لم يكن مستعداً لإضاعة أي وقت، فقام بزيارة إلى مقر القيادة بعد أربعة أيام فقط، وطلب من (فرا نكس) أن يحضر له الخُطّة للتعرّف على ما وصلت إليه.
قبل أن ينطق (فرا نكس) بكلمة أمره وزير الدفاع ألا يبدأ بعرض الخُطّة (الأوب 1003) قبل أن يطلعه على جملة الفرضيات السابقة عليها. تناقشا حول ما يعرفانه عن حالة الجيش العراقي. وما الذي يستطيع فعله. ماذا عن مستويات التدريب فيه؟ ما مدى استعداده للقتال دفاعاً عن صدام حسين.
قال رامسفيلد: الرئيس -حسب علمي- ليس راغباً في الذهاب لعمل شيء الآن، غير أن من شأن البدء أن يكون حصيفاً. ثم خرجا سويًّا، حيث كان مراسلو وسائل الإعلام بانتظارهما لسماع إيجاز عن الحرب الأفغانية الجارية تحت اسم "عملية الحرية الباقية" وقد أخبرهم (فرا نكس) بأن النصر كان متحققاً، ولم يعد هناك مجال لنشوء مستنقع على غرار المستنقع الفيتنامي. أما رامسفيلد فقال: أعتقد أن ما كان جارياً في المرحلة المبكرة كان مطابقاً تماماً للخُطّة، وبدأ كما لو أن شيئاً لم يكن يحدث. بدأ بالفعل كما لو كنا في (طالباً من الجميع أن يرددوا معه)... (مستنقع)".
عودة إلى الهدف الأول (العراق)
بعد أربعة أيام أخرى (أي في 1/12/2001م) أرسل (رامسفيلد) أمراً إلى (فرا نكس) لإنجاز تقويم القائد لإرساء الأساس المناسب لخُطّة حرب عراقية جديدة، تؤدّي إلى إزاحة صدام عن السلطة، واستئصال تهديد أسلحة الدمار الشامل المحتملة، وضد دعمه المشبوه للإرهاب. ثلاثة أيام فقط منحها (رامسفيلد) للانتهاء من هذا الأمر، وفي اليوم الرابع دعا إلى جلسة سرية لمناقشة تلك الخُطّة داخل مجلس الأمن القومي.
ويصور المؤلف تلك الجلسة التي حضرها كبار المسؤولين، ونائب رئيس هيئة الأركان (رينوار جين)، بدأ (فرانكس) كلامه قائلاً: إن كل ما استطاع فعله هو إدخال بعض التعديلات على الخُطّة القديمة) الأوب 1003) بحيث صار من الممكن تنفيذها بـ(400 ألف) جندي بدلاً من (500 ألف). أضاف) فرانكس): إن أهمية تلك الخُطّة يكمن في أنها تعكس كل ما هو متوفر لديه، وطالما أن وضع أية خُطّة حربيّة يستغرق عادة سنتين أو ثلاث سنوات فمن الممكن اعتماد الخُطّة القديمة دون الغوص في عمقها لأنّ من المحتمل أن يضطروا إلى تنفيذها خلال فترة إنذار قصيرة ".
تبادل (رامسفيلد) النظرات مع (فرانكس)، ثم علّق قائلاً: "يبدو أن الأمر سوف يستغرق وقتاً طويلاً"، موضحاً أن تلك الخُطّة أُعِدّت على افتراض وجود ستة أشهر، فماذا لو أصدر الرئيس قراراً بشن الحرب، ولم يكن لدينا الوقت الكافي لتحريك القوات؟. تمّ الاتفاق على منح (فرانكس) ثمانية أيام ليعود بعدها بالمزيد، وهو ما حدث فعلاً، إذ توجّه الرجل بتقرير جدي عُرف بـ"التكرار الثاني لتقويم القائد" إلى البنتاجون حيث عقد اجتماعاً بالغ السريّة حضره الرئيس (بوش). طرح (فرانكس) سؤالين: هل توجد كفاءات تمكن من أيجاد قوة أكثر جبروتاً في فترة زمنية أقصر؟ وهل يمكن استخدام قوة أصغر حجماً؟
كان جواب رامسفيلد بنعم على السؤالين، لكنه طرح بدوره عدة أسئلة أخرى: هل سيكون الأمر مكشوفاً؟ وإذا كانت الإجابة بنعم فكيف يمكن زيادة الجزء غير المرئي؟ وما هي الأشياء التي كانوا يستطيعون تهريبها بعيداً عن أعين صدام؟ بعد نقاش مع (فرانكس) حول تلك الأسئلة قال (رامسفيلد): عليكم أن تركّزوا أنظاركم على أشياء تستطيعون إنجازها في مواعيد مبكّرة لا تتأخر عن أبريل أو مايو أي بعد أربعة أو خمسة أشهر.
ويضيف (بوب): عرض (فرانكس) خُطّة جديدة أكّد من خلالها أن حملة جوية، وأخرى برية لم تعودا واردتين، ولن يكون هناك سوى حملة واحدة تتم عبر سبع عمليات، تبدأ بقصف جوي تقليدي مصحوب باستخدام صواريخ توماهوك المنطلقة من الطائرات، والسفن إضافة إلى صواريخ أرض- أرض طويلة المدى، ثم تنتقل إلى حرب غير تقليدية قائمة على الإفادة من قوات العمليات الخاصة في وقف إطلاق صواريخ سكود باتجاه إسرائيل أو السعودية.
وتمثلت العملية الثالثة في القيام بمناورات عملية من جانب فرق الجيش والمارينز. أما العملية الرابعة فكانت تستهدف التضليل والتمويه، عبر نشر طيف واسع من العمليات السيكولوجية والمعلوماتية، وذلك بالتزامن مع دعم جماعات المعارضة داخل العراق وخارجه والاستفادة مما يمكن أن تقوم به في مجالَي الاستطلاع والتخريب.
وبإسقاط النظام، تبدأ العمليتان السادسة والسابعة اللتان تتمثلان في العمل مع السكان المحليين في مختلف الجوانب، وتقديم المعونات الإنسانية لهم.
كان تنفيذ تلك العمليات يتطلب لدى (فرانكس) التركيز على ما أُطلق عليه "شرائح" قوة النظام العراقي أو هشاشته، والمتمثلة في الحلقة الداخلية الحقيقية لصدام ونجليْه عدي وقصي، وأجهزة الأمن والبنية التحتية لأسلحة الدمار، والصواريخ، وفرق الحرس الجمهوري، وبالذات الحرس الجمهوري الحامي لبغداد، والمواقع التي يمكن استخدامها داخل العراق لممارسة الضغط مثل المنطقة الكردية في الشمال، والبنية التحتية الاقتصادية والدبلوماسية إضافة إلى السكان المدنيين.
أوضح (فرانكس) أن هذا هو أقصى ما تستطيع فعله إذا أردت دفع النظام إلى السقوط، ثم أضاف: لا بد من إقناع الناس بوجود حاجة ملحّة للخلاص من صدام، ومن شأن تأثير الإعلام أن يكون حاسماً، ويمكن استخدام قوات العمليات الخاصة لاحتلال حقول النفط في الجنوب بأعداد قليلة نسبياً مع السيطرة على مناطق تكاد تكون متروكة بلا دفاع في الغرب للحيلولة دون إطلاق صواريخ "سكود". كما يمكن لقوات العمليات الخاصة أن تتوغل في الشمال مع الأكراد، مع التسلل بدعم الاستخبارات المركزية إلى جماعات المعارضة وصولاً، ربما إلى قادة للجيش العراقي الساخطين.
انبهر الرئيس بإمكانية ممارسة القوة انتقائياً، وقد وجد أنه من الممكن إحداث نقاط ضعف عراقية، واستغلالها بقدر أكبر من الكفاءة إذا ما تمّ الجمع بين القوة العسكرية وغير العسكرية بالطريقة الملائمة.
لكن (فرانكس) عاد للحديث مجدداً، ليوضّح أن هناك حاجة لدعم من بلدان أخرى مميّزاً بين ثلاثة خيارات ممكنة... دعم قوي، مختزل، أُحادي. أما النوع الأول فيتطلب مساندة ثلاثة بلدان مجاورة للعراق هي الكويت (جنوباً) الأردن (غرباً) تركيا (شمالاً) مع مساعدة من أربع دول خليجية صغيرة هي قطر، الإمارات، البحرين، عمان. وفي هذه الحالة لن يكون بدء الخُطّة بحاجة لأكثر من (105 آلاف) جندي، على أن يتواصل تدفق القوات لتصل إلى مستوى (250 ألف) في غضون شهرين أو ثلاثة.
وفي حالة الدعم المختزل والذي فسره (فرانكس) بغياب دعم أي من الدول السابقة أو السعودية سيكون هناك تأثير سلبي هائل من شأنه إطالة الوقت المطلوب، مع التأكيد على أن العملية ستظلّ بحاجة إلى مساعدة أربع دول على الأقل هي الكويت، البحرين، قطر، عمان، لتأمين الانتشار والتحليق.
وبشأن الحالة الثالثة، أي القيام بعمل أُحادي أمريكي دون مشاركة بريطانيا، قال (فرانكس): لابد أيضاً من الحصول على التسهيلات في كل من الكويت وقطر وعمان.
ويمضي (بوب ودورد) بعد هذه المقدمات حول خُطّة الهجوم على العراق إلى تفاصيل أدق وأعمق من داخل الاستخبارات الأمريكية ودهاليز البيت البيض الأبيض، والمفاوضات التي جرت مع الدول المجاورة لتسهيل الإطاحة بصدام، وإنجاح الاحتلال.
السعودية طرف في سيناريو الحرب
الثلاثون صفحة من الكتاب التي وصف فيها المؤلف علاقة السعودية بالحرب على العراق، والمحادثات التي جرت في هذا الشأن، ونفوذ السفير السعودي في واشنطن (بندر بن سلطان )، هي التي أثارت ضجة كبيرة داخل الأوساط الأمريكية، وهي التي أشهرت الكتاب وجعلته مثاراً للجدل والنقاش، حيث ورد في الكتاب، إن السفير السعودي قد حصل على نسخة سرية لخُطّة الهجوم على العراق مكتوب عليها (سري للغاية ـ محظور على الأجانب)، وذلك قبل أن يتسلمها وزير خارجية أمريكا ـ (كولن باول) ـ الأمر الذي دفع (الصديقين) أن يتسابقا في التصريحات الصحفية بعد صدور الكتاب.
أورد الكاتب أن بداية المفاوضات التي جرت بين الحكومة السعودية وإدارة (بوش)، حول الحرب على العراق، كانت بالرسالة الخاصة التي بعثها ولي العهد السعودي الأمير عبد الله، و سلمها بندر إلى الرئيس مكتوبة باليد باللغة العربية، مرفقاً معها ترجمة إنكليزية، وكان مما جاء فيها:
(صديقي العزيز (بوش)... لم تتمّ بيننا أي اتصالات منذ بعض الوقت... ثمة أشياء كثيرة أرغب أن تتاح لنا فرصة مناقشتها وجهاً لوجه...) وختم ولي العهد السعودي رسالته:( راجياً أن تنقل أفضل تقديراتي الشخصية، وأن تنقل تحياتي أيضاً إلى زوجتك اللطيفة، كما إلى أبويك العزيزين )
يرد (بوش) على رسالة ولي العهد: ( شكراً على هذه. أقدر دائماً آراء ولي العهد. أعتبره صديقاً جيداً، أعتبره حليفاً جيداً، حليفاً عظيماً).
كان السفير السعودي منذ عام 1994م على اتصال مع أعلى المستويات في الإدارة الأمريكية، فيما يجب فعله تجاه النظام العراقي وصدام حسين، و قد اقترح الملك فهد في عام 1994م على الرئيس كلينتون عملية أمريكية ـ سعودية مشتركة للإطاحة بصدام، واقترح ولي العهد في نيسان 2002على إنفاق ما يصل مليار دولار على مثل هذه العلميات المشتركة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية.
لكن السفير السعودي كان كثيراً ما يردّد: كنا نفتقد إلى الجديّة. الأمر الذي دفعه إلى أن يقول: ( إذا كنتم جادين فسوف نبادر إلى اتخاذ القرار الصحيح القاضي بتوفير الدعم المناسب، فإذا كنتم مصممين تصميماً؛ جدياً فإننا لن نتردّد في تزويدكم بالمرافق المناسبة.. في سبيل دعم الحملة العسكرية الأمريكية).
ويشير (بوب) في إحدى فصول الكتاب إلى النظرة الأمريكية إلى الدولة السعودية، يقول: تمثل أحد البلدان الواجب اجتذابها وإخطارها، ويضيف: إن العربية السعودية تتمتع بوضع بالغ الحساسية والدقة في العالم الإسلامي.. وكان تعاونها المتواصل مع الأمريكان يصبّ الماء في طاحونة الحركة الأصولية المتطرفة.
السفير السعودي في واشنطن...؟!
( كان السفير السعودي الأمير بندر بن سلطان يكاد يكون سلطة خامسة في واشنطن، متمتعاً بقدرة غير عاديّة في الوصول إلى (بوش) ) عبارة صاغها المؤلف بجانب صورة السفير السعودي داخل الكتاب.
حيث يسلط الكاتب الضوء على هذه العلاقة، مصوراً الأمير السعودي وكأنه صقر من صقور البيت الأبيض، يقول (بوب): قام (تشيني) بدعوة بندر إلى مكتبه في الجناح الغربي في يوم السبت 11كانون الثاني /يناير 2003 بحضور كل من ريتشارد مايرز، و وزير الدفاع رامسفيلد الذي كان يعتبره بندر أقوى وأصلب وزراء الدفاع التي عرفتهم الولايات المتحدة بمن فيهم (تشيني) أيضاً.
كان من أغراض اللقاء إقناع بندر بأن يتم إرسال القوات الأمريكية عبر الأراضي السعودية، عمليات الإسناد والدعم في مجالات الإنقاذ وإعادة التزود بالوقود لن تكون كافية من البلدان الخمسة الأخرى المتاخمة للحدود العراقية، وبالتالي فإن الحدود السعودية ـ العراقية الممتدة (500) ميل سوف تكون حاسمة، إذ بدونها ستكون فجوة عملاقة في الوسط.
ويضيف (بوب): كان (مايرز) جالساً على حافة الطاولة، وأخرج من حقيبته خارطة كبيرة مكتوب عليها NOFORN)) سري للغاية، وتعني نوفورن: مادة سرية لا يجوز لأي مواطن أجنبي الاطلاع عليها. وتم إطلاع بندر عليها.
سأل بندر: هل يمكنه الحصول على نسخة من الخريطة الكبيرة ليستند إليها، وهو يرفع تقريره الوجيز إلى ولي العهد؟ فأجابه (مايرز): بأن ذلك فوق مستوى رتبته، إلا أن (رامسفيلد) تدخل وقال:سنزودّك بكل المعلومات التي تريدها. أما الخريطة فمن الأفضل ألاّ أزوّدك بها غير أنك تستطيع أن تسجل ملاحظاتك إذا أردت".
سأل بندر: "ما فرص نجاة صدام من هذه العملية؟"
أحجم (رامسفيلد) و(مايرز) عن الإجابة.
سأل بندر متشكّكاً: "صدام سيُزاح هذه المرة!؟ ما الذي سيحدث له؟" رد (تشيني) قائلا: "تأكّدْ -يا أمير بندر- أن صداماً سيصبح قطعة خبز محمصة لحظة ننطلق".
فيما كان يهم بالمغادرة قال بندر موجهاً كلامه لـِ(تشيني): "أصبحت الآن مقتنعاً بأن هناك شيئاً أستطيع نقله إلى الأمير عبد الله، وأعتقد أنني أستطيع إقناعه. غير أنني لا أستطيع أن أذهب وأقول له: إن (مايرز) و(رامسفيلد)، وأنت قلتم لي: إن عليّ أن أنقل رسالة من الرئيس". كان بندر يريد سماع التعهّد من (بوش) مباشرة.
في اليوم التالي، اتصلت (رايس) ببندر تدعوه إلى لقاء مع الرئيس. كان الأوروبيون و"إعاقتهم" شديدي الحضور في ذهنَيْ (بوش) وبندر خلال اجتماعهما يوم 13 يناير. كانت الدول الثلاث تلح مطالبة بمنح (بليكس) مزيداً من الوقت.
قال الرئيس: إنه كان يتلقى نصائح وتقارير تؤكد أنه مرشح في حال وقوع الحرب إلى التصارع مع ردود أفعال عربية وإسلامية هائلة قد تعرض المصالح الأمريكية للخطر.
قال بندر: " تفترض، يا سيادة الرئيس، أنك تهاجم العربية السعودية. إنه صدام حسين. لن يذرف الناس أي دموع عليه، أما إذا هوجم مرة أخرى من جانب الأمريكيين ونجا، فإنه سيصبح أكبر من الحياة "بطلاً أسطورياً". الجميع سيبادرون – يقيناً- إلى إطاعة أوامره. إذا قال لهم هاجموا السفارة الأمريكية، فإنهم سيسارعون إلى مهاجمتها".
سأله الرئيس:"هل حصلت على الإيجاز من (ديك)، و(رامسفيلد) والجنرال (مايرز)؟"
ـ "بلى".
ـ "وهل من أسئلة لي أنا؟"
ـ "لا، يا سيادة الرئيس".
ويرى الكاتب أن بندر كان يعلم أن بلده قادر على توفير غطاء لوصول القوات الأمريكية عبر إغلاق مطار الجوف المدني في الصحراء الشمالية، مطيراً حوّامات سعودية ليلاً ونهاراً، بوصفها دوريات حدود روتينية لمدة أسبوع، والانسحاب بعد ذلك. فتستطيع القوات الخاصة الأمريكية إنشاء قاعدة لها غير لافتة للكثير من الأنظار.
غادر بندر وهو متأكّد دون أدنى شك أنهم تعهّدوا أمامه أن الحرب آتية، وبات بندر قادراً على العودة إلى السعودية، وإطلاع ولي العهد على كل شيء، وعلى الفور رتبت لبندر جلسة خاصة مع ولي العهد، وجرى عرض التفاصيل و الخارطة.
علّق ولي العهد: ( الصمت مطلوب، لا تخبر أحداً بأي شيء، إلى أن نقرر ما سنفعله )
في الأيام الأخيرة قبيل الحرب، كان القلق السعودي قد بلغ مداه من التردد، وعدم الوضوح في أخذ قرار الحرب. طلب بندر موعداً لمقابلة (بوش) لإبلاغه رسالة من ولي العهد التي جاء فيها: ( لم يكن التردّد الواضح في مصلحة أحد في المنطقة، ما الذي ننتظره حرب أم لا حرب ؟)
وعندما أذن لبندر بالدخول إلى المكتب البيضاوي حاملاً رسالة ولي العهد، كان مشهده غريباً، بدا متعباً، مضطرب الأعصاب، قلقاً، يتصبب العرق منه بغزارة، يعلو وجهه غابة شعر شعثاء.
سأله الرئيس: ما المصيبة التي حلت بك ؟ ألا تتوفر لديك شفرة حلاقة، أو أي شيء تحلق به ؟
رد بندر: سيادة الرئيس، قطعت وعداً على نفسي بألاّ أحلق إلى أن تبدأ هذه الحرب.
(بوش): حسناً، أنت موشك سريعاً على الحلاقة.
رد بندر: أرجو ذلك ! غير أنني أخشى أن أصبح مثل ابن لادن مع حلول موعد هذه الحرب. مشيراً إلى لحية بطول قدم أو قدمين.
ثار (بوش) لم يكن يحب التعرض إلى الإلحاح، كما لم يجد التلميح مضحكاً، كان بندر يعرف مدى كره الرئيس لأي إشارة تصفه بالتردّد، رد (بوش): ( أقول لك: لن يطول انتظارك).
في واشنطن يوم الاثنين 17آذار / مارس، أجرى (بوش) اتصالات ومباحثات مع حلفاء الحرب، وقادة الجيش، جرى فيها بحث مهلة الإنذار لصدام 48ساعة، وعقد (بوش) في صباح ذلك اليوم جلستي البروفة، يتلو الخطاب، ولما وصل (بوش) إلى جملة الفعل من قبيل: (يجب على صدام حسين ونجليه أن يغادروا العراق خلال 48ساعة. ورفضهم لتنفيذ ذلك سيتمخض عن نزاع عسكري، يبدأ في اللحظة التي نختارها نحن) حتى شعر (بوش) بنوع من الانحباس في حنجرته.
في هذه الأثناء شعر السفير بندر أنه ترك في الظلام، ولم يكن قد أُحيط بعلم مسبق بخطاب الإنذار في الليلة السابقة، كان ذلك مثيراً لقدر كبير من الحيرة. كان بندر قد ظل على الدوام يعتبر (بوش) رجلاً صريحاً، مكشوفاً... وكان بندر يعتز بأنه يتلقى المعلومات من القمة.
سأل بندر (رايس) عن إمكانية رؤية (بوش) لمدة (11) دقيقة.
وحين دخل بندر إلى المكتب البيضاوي، قال لـَِ (بوش): ( فقط أرجو ألاً تكون قد غيّرت رأيك، بعد أن قمت بتوجيه الإنذار) قال (بوش): (اسمع يا بندر، لا أستطيع أن أبلغك أشياء كثيرة، غير أني أعدك أن تكون أول من يعلم، وأول دولة أجنبية تعلم، ولكن لا تقلق كن واثقاً بي ! صدقني).
بدا بندر على حافة الجنون وهو يقول: (اسمع! أنا أثق بك! ولكن ألا ترى معي أستحلفك بالله، أن وقت التراجع قد فات بالنسبة إلى كائن من كان؟!)
بداية الحرب

في الوقت الذي تبدأ فيه المراحل العسكرية المبكرة للقوات الأمريكية والتحالف في العراق يوم الأربعاء 19آذار/ مارس، اتصلت (رايس) بالأمير بندر وسألته: هل أستطيع أن أراك ؟
جاء بندر إليها، حينها بدأت (رايس): (إن الرئيس أمرني أن أبلغك...) قاطعها بندر -مكملاً جملتها- ( أننا ذاهبون إلى الحرب ) وأضاف بندر: وأين هو الرئيس الآن ؟
قالت رايس: إنه يتناول العشاء في هذا الوقت مع السيدة الأولى، وبعد العشاء قرّر أن يكون وحده)
قال بندر: (قولي له: إنه سيكون في دعائنا وقلوبنا.. فليباركنا الله جميعاً!!)
الخاتمة

يختم المؤلف كتابه بخاتمة طويلة تتجاوز ستين صفحة تناول في بدايتها بالتفصيل اليوم الأول للحرب 20آذار /مارس حيث قدم (فرانكس) تقريراً قال فيه: إن القوات الأمريكية تسيطر على الصحراء الغربية والتي تمثل 25% من أرض العراق.
ويستمر المؤلف عرض أيام الحرب بإيجاز، إلى أن يصل إلى 9نيسان /أبريل الذي يرى المؤلف أنه كان النهاية الرمزية لحكم صدام، وانهارت الحكومة باستيلاء الجيش الأمريكي على ضفتي دجلة.
ثم يصف المؤلف أيام ما بعد الحرب، وحضور الصحافة داخل البيت الأبيض التي بدأت تكشف بعض الأسرار، وتضغط على حكومة واشنطن ببث الحقائق والتقارير التي تثبت فشل القوات الأمريكية في السيطرة على العراق.
ويختم المؤلف آخر صفحة من كتابه بمقتطفات من حواره الثاني مع الرئيس (بوش)، حيث قال (بوش): ( أنا مستعد للمخاطرة برئاستي من أجل أن أفعل ما أعتقد أنه صحيح)
سأله (بوب) وهو يهم بالانصراف: كيف سيحكم التاريخ على حربك العراقية ؟
أفاد (بوش) أنه سيكون من المتعذر استيعاب المعنى بشكل صحيح في المدى القصير.
سأله (بوب): لكن التاريخ لا يُقاس إلا بالنتائج حسب اعتقاد ـ كارل روف ـ
ابتسم (بوش)، وقال: ( التاريخ !) وهو يهز كتفيه، ويسحب يديه من جيبي سرواله، وينشر ذراعيه موحياً بلغة الجسد: (لن نعرف سنكون جميعاً من الأموات).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب بقراءة أخرى
وكالة أنباء المستقبل للصحافة والنشر (ومع)

خطة الهجوم على العراق

أسرار التواطؤ العربي مع الجيوش الغازية
اسم الكتاب: خطة الهجوم
المؤلف: بوب وود ورد
الطبعة الانجليزية الأولى 2004
عدد الصفحات: 467
الناشر: سيمون آند شوستر- نيويورك
الطبعة العربية الأولى 2004
ترجمة وتحقيق فاضل جتكر
عدد الصفحات 658الناشر مكتبة العبيكان.

ثم صدرت عدة طبعات منقحة في السنوات اللاحقة, وكانت الإصدارات الجديدة معززة بالصور والخرائط والوثائق الرسمية المضافة للطبعات السابقة, وتُرجم الكتاب إلى معظم اللغات الحية, وتصدّر قائمة المبيعات في المكتبات العالمية خلال السنوات الماضية.
 
 
أثار كتاب (خطة الهجوم) للكاتب الأمريكي الاستقصائي (بوب وود ورد) ضجة إعلامية واسعة, وفجّر عاصفة عارمة من الفضائح والأسرار المخبئة في أروقة الدوائر السياسية والعسكرية الأمريكية, وأزاح التراب عن الدسائس المدفونة في أوكار العواصم المتحالفة معها, فجاءت ردود الأفعال العالمية على شكل لقاءات متلفزة, وعروض تحليلية معمقة, وتعليقات إذاعية مؤثرة, ارتكز معظمها على المعلومات السرية الحساسة, التي حصل عليها المؤلف من خلال لقاءاته المستمرة مع التماسيح والضباع المسيطرة على غابة النظام العالمي الجديد, والتي اشتركت في وليمة الحرب على العراق, وفى مقدمتهم الرئيس بوش شخصيا, ولم تشأ دوائر البيت الأبيض أن تشكك في موثوقية المعلومات, لكنها أعلنت إنها تختلف مع بعض ما توصل إليه المؤلف من أحكام واستنتاجات ونتائج.


وشهد شاهد من أهلها

يعد (بوب وود ورد) من أبرع الصحفيين الأمريكيين, وهو مدير تحرير (الواشنطن بوست)، وتحتل كتبه رأس قائمة الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحدة. و(بوب) هذا هو صاحب السبق في كشف تفاصيل فضيحة (ووتر غيت), التي قصمت ظهر الرئيس نيكسون, وأخرجته من البيت الأبيض عام 1974 غير مأسوف عليه, ومن المؤكد انه أصبح بعد نشره لكتابه الجديد أول صحفي يكشف جرائم بوش الصغير وزبانيته من جوقة العملاء والخونة العرب, الذين سيلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون. اعتمد (بوب) في إعداد كتابه على شهادات ووثائق حصل عليها من 75 مسئولا أمريكيا, في مقدمتهم الرئيس بوش نفسه, ووزير دفاعه (دونالد رامسفيلد)، ويضم الكتاب نصوصا لأحاديث وتعليقات وآراء وتحليلات معمقة, إضافة إلى لقاءات خاصة من داخل البيت الأبيض, ولم يتردد الكاتب في أن يشفع كتابه بتعليقات ساخرة وتلميحات جارحة, وحرص منهجيا على متابعة مسار القنوات الخلفية, التي كان البيت الأبيض يستخدمها في الخفاء لتشكيل مسار الأحداث, وبالتنسيق والتعاون المباشر مع بعض القادة العرب, من الذين باعوا ضمائرهم بثمن بخس, ووضعوا أراضيهم ومياههم وأجوائهم في خدمة أغراض البيت الأبيض وغربان البنتاغون.

حوار على أطلال بغداد

يفتتح الكاتب فصول كتابه بالحوار الذي دار ببغداد بين الرئيس الأمريكي بوش والجنرال جورج كيسي. كان بوش في زيارة رسمية لبغداد للقاء رئيس الوزراء والتباحث معه, لكنه آثر التحاور أولا مع الجنرال الذي أمضى في بغداد عامين حافلين بالأحداث الدامية, ويبحر الكاتب في سطور الصفحات الأولى في تفاصيل ملامح التركيبة الشخصية المعقدة للرجلين, كان كيسي على يقين تام بوجود مشكلة رئيسية تكتنف سير العمليات الحربية في العراق, وهذه المشكلة هي الرئيس بوش نفسه, الذي كان يتابع تطورات هذه الحرب من المنظور التقليدي الانتقامي القديم, فلا يكف عن السؤال عن عدد أفراد المقاومة العراقية, الذين وقعوا أسرى, أو سقطوا قتلى, في حين كانت للجنرال كيسي رؤية مغايرة على نحو ما, ويرى أن المعركة لم تحقق اية مكاسب ملموسة في الميدان, وان الحل النهائي يتمثل في أمر جوهري واحد, هو: إعداد العراقيين لحماية وطنهم, وحكم أنفسهم بأنفسهم, ومغادرة العراق في اقرب فرصة, كان الجنرال كيسي يشعر أن العراقيين من العرب الاصلاء الذين يعتزون بأنفسهم, ويرفضون الاحتلال رفضا قاطعا, ولابد أن يتسلموا مقاليد الأمور في نهاية المطاف. ومن ثم فإن وجود قوات أمريكية بهذا الحجم الكبير يعني التعدي على كرامتهم, والأسوأ من هذا كله أنه يجعلهم معتمدين على الغير, ويواصل المؤلف قراءته لأفكار القائد العسكري الأمريكي في العراق فيقول: كان العراقيون بحاجة إلى استرجاع بلدهم, والتخلص من الهيمنة الأجنبية، وتلك أمور منطقية نابعة من تربيتهم الوطنية الصادقة. وكانوا بحاجة إلى أن يخوضوا حربهم الخاصة بهم, وأن يديروا حكومتهم النابعة منهم, بينما كان بوش يعكس آراء وموقف الجناح المتطرف من الحزب الجمهوري, ويميل للعنف, وافتعال الحروب الطائشة, وتنفيذ العمليات العسكرية الاستباحية.

التواطؤ العربي مع البيت الأبيض

يكشف الكتاب أن إدارة بوش كانت متلهفة لضرب العراق منذ أيامها الأولى, وبالتحديد عقب هجمات 11 سبتمبر 2001, باثنين وسبعين يوما, أي في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) من العام نفسه. على الرغم من تأكيدات أشخاص مثل (كولن باول), بأن العراق ليس له علاقة من قريب أو بعيد بتنظيم القاعدة، وقد بدأت التقديرات لتلك الحرب في خضم الحرب الأمريكية على أفغانستان, وكان هدف بوش أن يثبت للعالم أجمع أن ما قاله عن شن حرب عالمية على الإرهاب لم يكن بهدف المبالغة اللفظية. كانت إدارة بوش تدرك أن الملوك والرؤساء العرب لديهم رغبات مكبوتة للتخلص من النظام العراقي, الذي بات يسبب إحراجا لهم أمام شعوبهم، خاصة بعدما تمادى النظام العراقي في إظهار عدم احترامه لهم والرغبة بالتسيد عليهم, من هنا يكشف الكاتب (بوب وود ورد) أسرار التواطؤ العربي في الهجوم الأمريكي على العراق, ويفضح بالأدلة الدامغة مؤازرة الدول العربية لجيوش التحالف في شن اعنف الغارات الجوية والبرية على المدن العراقية. لذا فإن فكرة التشكيك فيما أورده المؤلف من حقائق تعد نوعا من عبث الصبيان, فالمتواطئون من الزعماء العرب، على عكس ما يروج له جلاوزة الأقلام الرخيصة، لم يساندوا العراق في مواجهة الجيوش الغازية الجرارة, ولم يتخذوا موقفا مشرفا واضحا يعارض الحرب على العراق, بل إنهم لم يخجلوا من الارتماء في أحضان البيت الأبيض, وحاولوا قدر الإمكان حفظ كراسيهم الرئاسية, وعروشهم الملكية, والانصياع للرغبات الاستباحية الأمريكية, والظهور أمام شعوبهم, التي كانت تغلي من الغضب, بمظهر الرافض لكافة العمليات الحربية الموجهة ضد العراق. الأمر الذي اضطرهم إلى منح الامريكان تأييدا غير معلن, مقابل أن يتكتم الامريكان على أسرارهم, ويصونوا ماء وجوههم, وتناقضت مواقفهم المعلنة مع ما كانوا يتفقون عليه مع واشنطن, وسارت مراحل اللعبة على هذا النهج المغلف بالخبث والمبطن بالتآمر، لدرجة أن السفير السعودي في واشنطن (الأمير بندر بن سلطان) كان من أركان الحرب الأمريكية, بل انه كان من ضمن عناصر معسكر الصقور في إدارة بوش إلى جانب كل من (ديك تشيني) نائب الرئيس و(كوندليزا رايس) مستشارة الأمن القومي الأمريكي, وكان يتنقل بين العواصم العربية والأوروبية المتشككة في جدوى الحرب, محاولا إقناعها بضرورة التدخل العسكري الأمريكي في العراق, وكانت مهمته الخبيثة متوافقة تماما مع ما قام به نجل الرئيس المصري (جمال مبارك), الذي توجه قبل الحرب في مهمة سرية للقاء الرئيس الأمريكي، وهي المهمة التي كان ظاهرها الرحمة وباطنها النقمة. ويكشف لنا المؤلف المزيد من التحركات السرية العربية التي دفعت بالأمور باتجاه الحرب الكاسحة, والتي تميط اللثام عن التأييد العربي الذي ضمنته واشنطن, واعتمدت عليه في أطار سعيها المحموم لمهاجمة العراق.
كانت خطة (تشيني) في المرحلة الأولى أن يواصل التنسيق مع زعماء هذه الدول لتوحيد مواقفهم في الحرب على العراق, وفتح بوابات قواعدهم العسكرية، وحثهم على التعامل بحزم مع الموقف وبخاصة في ساعة الجد, التي ستقرر فيها الولايات المتحدة استخدام القوة الضاربة, ويذكر الكتاب أن مباحثات (تشيني) مع العاهل الأردني كانت موفقه جدا, لكنها لم تكن على نفس الدرجة من التوفيق في مباحثاته مع مبارك, إلا إنها كانت مقبولة بالنسبة لتشيني.


التنسيق السري العربي لضرب العراق

يتحدث الكاتب في الصفحة 263 عن تفاصيل الاجتماع الذي دار بين (تشيني) و(رامسفيلد), ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال (ريتشارد مايرز) والأمير بندر بن سلطان في 11 كانون الثاني (يناير) 2003. كان الهدف من الاجتماع تقديم مسودة طلبات للسعودية تتضمن أن تسمح بانطلاق القوات الأمريكية من أراضيها, وإقلاع الطائرات من قواعدها, وعرض (مايرز) خلال الاجتماع خرائط سرية للغاية تتضمن تفاصيل الهجوم المتوقع على العراق, ويقدم الكاتب عرضا تاريخيا متسلسلا للخديعة الكبرى, ويستعرض أهم التفاصيل التحليلية لدور الدول الأوربية, التي اشتركت في تضليل الرأي العالمي, وكيف حشدوا قواتهم لغزو العراق بمباركة بعض الملوك والأمراء والرؤساء العرب, ويتناول الكتاب سردا مفصلا للأحداث, التي دفعت بعض القادة العرب إلى الوقوع في أوحال المستنقع الأمريكي, ويحلل الكاتب الوثائق والتقارير الإخبارية والعسكرية, ويضعها في سياق مترابط لكي يبين للقارئ حجم الخديعة الكبرى, التي تعرض لها الأمريكيون والبريطانيون من حكومتي بلادهم عندما قادتهم لحرب عبثية لا مصلحة لهم فيها, ففي الجانب البريطاني يستعرض الكاتب الملف الملفق, الذي أعدته الحكومة لتبرير مشاركتها في غزو العراق، اما في الجانب الأمريكي، فيقدم المحاولات الأمريكية لربط النظام العراقي بتنظيم القاعدة، وهي العلاقة الواهية التي حاولت أمريكا تحويلها إلى حقيقة. ويبين لنا الكاتب كيف نجحت صناعة الأكاذيب الأمريكية في بناء العلاقة بين النظام العراقي والقاعدة, والفضل في هذا يعود إلي دهاء وخبث (كولن باول)، وزير الخارجية الأسبق الذي قرأ في الخامس من شباط (فبراير) 2003 كلمة أمام مجلس الأمن، حاول فيها الربط بين العراق والقاعدة عبر معسكرات كانت تابعة لأنصار الإسلام في كردستان، وأعطت هذه المرافعة, التي تبين فيما بعد إنها قامت على معلومات مضللة وملفقة, بيد إن (كولن باول) اعترف مؤخرا أمام الناس بان كلمته التحريضية أمام مجلس الأمن الدولي كانت وصمة عار في تاريخه، لكن هذا الاعتراف جاء بعد فوات الأوان، أي بعد خراب البصرة, وهكذا ركز الكاتب على المرحلة الأولي من عملية التضليل الخداع، وهي إنشاء البنتاغون مكتب الخطط الخاصة, ووضعوه خارج نطاق المؤسسات الأمنية الكبيرة في أمريكا، وانحصرت مهمة المكتب في إيجاد صلة بين العراق والقاعدة، وقام المكتب الذي أداره المحافظون الجدد، بفتح صلات مع مكتب آخر أنشأه رئيس الوزراء الإسرائيلي (ارييل شارون)، فيما التف (دونالد رامسفيلد) على المؤسسات الأمنية، وقام بالاتصال بمكتب (توني بلير), ويقول الكاتب في هذا السياق، إن كلا من بلير وبوش استخدما طوال مراحل التحضير للحرب عمليات التضليل والخداع والكذب التي لم يسبق لها مثيل، ويتساءل الكاتب قائلا، كيف يمكن ان يقوم شخصان مثل (بلير وبوش)، يدعيان الالتزام بتعاليم الإنجيل بتضليل الرأي العالمي, وحياكة سلسلة من الأكاذيب لتبرير غزو بلد في الطرف الآخر من الأرض مثل العراق. ويلاحظ الكاتب، إن بريطانيا وأمريكا استخدمتا استراتيجيات مختلفة لإقناع الرأي العام، ووجد بلير صعوبة في تمرير خططه الرامية لإقناع البريطانيين بضرورة الحرب على العراق، فبعد الملف المثير للجدل لم يكن بمقدور بلير إقناع الشعب البريطاني الواثق من صحة التقارير المكثفة, التي تعدها المؤسسات الإعلامية البريطانية عن العالم الثالث، ثم ان بريطانيا تعد بمثابة القطب الرئيس في منظومة الكومنولث، وليس من مصلحتها خداع الناس بالطرق الرخيصة.



دهاء بندر وخبث كولن باول

تلقى بوش تقارير من بعض أفراد إدارته بأن العالم العربي سيثور في الشوارع إذا شنت أمريكا حربا على العراق, وأن المصالح الأمريكية ستتعطل وتتعرض للخطر، لكن الأمير بندر طمأنه, قائلا: ((سيادة الرئيس هل تعتقد أنك ذاهب لمهاجمة السعودية واعتقال الملك فهد؟ إنه صدام حسين, الذي لن يجد من يذرف دمعة عليه. لكن إذا هاجمته أمريكا ونجا هذه المرة فسيكون أكبر من الحياة نفسها، سيسمع كلامه الجميع. لقد حذر كثيرون والدك من أن العالم العربي سيثور من المحيط إلى الخليج إذا ضرب العراق ولم يحدث ذلك، المشكلة الوحيدة ستكون إذا نجا صدام هذه المرة)).
وحمل الأمير بندر رسالة تأكيدية من بوش بأن صدام لن ينج هذه المرة, وكانت معها قائمة بما هو مطلوب من السعودية, معنونة إلى الأمير عبد الله, الذي نصحه بأن يكتم الأمر حتى تقرر السعودية ماذا ستفعل, ومنذ ذلك الحين صار السفير السعودي في أمريكا من ضمن تشكيلات معسكر الصقور, الذين يروجون للحرب. وقام الأمير بندر, بتكليف من الأمير عبد الله, بعدة زيارات شملت فرنسا ومصر ولبنان, لحث زعمائها على تأييد الموقف الأمريكي، وقد عبر له الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن وجود خلاف جوهري مع الولايات المتحدة, وشكا من نقطتين رئيسيتين: أولهما أن بوش والأمريكيين لا يكنون له شخصيا أي احترام, وثانيهما أن المخابرات الأمريكية لا تتبادل المعلومات مع نظيرتها الفرنسية. وعندما عاد الأمير بندر إلى واشنطن سألته (كوندليزا رايس) عن مهمته الفرنسية, فأعرب لها عن اعتقاده أن شيراك يمكن أن يساعد وربما يؤيد الحرب. وقال: إنه استقى هذا الاستنتاج من ثلاثة مصادر هي: الرئيس المصري, ورئيس الوزراء اللبناني, إضافة إلى لقائه مع شيراك نفسه, الذي جعله يصل إلى الاستنتاج نفسه. لكن ما كشفه بندر عن تفاصيل لقائه بالرئيس مبارك يستحق التوقف عنده, فقد نقل عن مبارك قوله: إن مصر لديها الكثير من مصادر الاستخبارات داخل العراق, وإن هذه المصادر أكدت : ((امتلاك العراق لمعامل متنقلة لتصنيع الأسلحة البيولوجية)). وحسب الرواية نفسها والمرجح أنها منقولة عن الأمير بندر في صفحة 312 من الكتاب, فإن مبارك قال: إنه تلقى رسالة من صدام تقول: ((لدينا عدد من النساء والأطفال والرجال, الذين سنخبركم بأسمائهم في وقت لاحق يريدون اللجوء إلى مصر، فهل هناك إمكانية لتخصيص أحد القصور الرئاسية لهم ؟). وقال مبعوث صدام لمبارك إنهم سيحضرون معهم خزائن كبيرة تحتوى ملياري دولار وكميات من الذهب. ورد الرئيس المصري بقوله : إنه سيرحب بالنساء والأطفال, لكن أي شيء يتعلق بالرجال والمسئولين (فعليكم التوصل لاتفاق بشأنه مع الأمريكيين وإلا سوف اتصل أنا بالأمريكيين)), ورفض الرئيس مبارك السماح بنقل الأموال العراقية خوفا - على حد قوله - من أن يتهم بسرقتها وتحويلها إلى بنوك سويسرية، وفى السابع من شباط (فبراير) 2003، وصل (جمال مبارك) نجل الرئيس المصري في مهمة سرية للاجتماع بالرئيس الأمريكي في البيت الأبيض حاملا معه رسالة من أبيه. ويصف الكاتب (مبارك الابن) بأنه: (مسئول كبير ذو ميول إصلاحية مؤيدة للولايات المتحدة في حزب أبيه). وكان يحمل الرسالة نفسها التي نقلها بندر وهى: أن (صدام) يفكر في مغادرة العراق إلى المنفى, ويريد إرسال عائلته وبعض الأموال إلى مصر، وقد طرحت هذه الفكرة لتجنب الحرب من قبل عدة دول مثل مصر والسعودية وتركيا، وسأل جمال مبارك الرئيس بوش عن رأيه في المقترح, فرد عليه بوش بأن الولايات المتحدة لن تضمن حماية صدام حتى لو ذهب إلى المنفى، وقال لجمال: (إذا كنت تريد الحصول منى على ضمانات بأننا لن نفعل له شيئا إذا اختار المنفى فليس عندي هذه الضمانات). ويقول المؤلف: إن بوش كان يتخذ موقفا متشددا من الدول التي تأوي أعدائه, وأن صدام كان في نظره إرهابيا. وعلى الرغم من ذلك أضاف بوش أمام مبارك الابن في تعبير غامض: (هناك حالات كثيرة في التاريخ تجنبت الدول فيها الحرب بسبب اختيار البعض للمنفى، لسنا جاهلين بهذه الحقيقة). بيد إن كل الوقائع كانت تشير إلى أن خيار الحرب هو الخيار الأول والأخير, وان الدول العربية كانت متحمسة لتقديم الدعم والإسناد للغزاة.


مجريات التحضير لشن الحرب

وفي آذار (مارس) 2003 قرر (تشيني) القيام بزيارة للشرق الأوسط لطلب المزيد من الدعم من الدول العربية، وطلب من (فرانكس) أن يعد له قائمة بالدول المؤيدة لأمريكا, والتي يتعين التنسيق والتباحث مع قادتها, فكانت الكويت والسعودية ومصر وعمان والإمارات واليمن والبحرين وقطر والأردن وإسرائيل وتركيا. ويروى الكتاب في صفحة 111 أن (فرانكس) قدم إلى نائب الرئيس مذكرة سرية بما هو مطلوب من كل دولة، وتنوعت المذكرة بين المشاركة العسكرية الفعلية, وبين السماح بعبور الأجواء, أو تقديم تسهيلات مرور القوات الأمريكية وتوقفها, أو التجسس وتقديم المعلومات السرية, وتعترف المذكرة بأن كل هذه الدول العربية والإسلامية سوف تذرف دموع التماسيح, وتتظاهر بإعلان معارضتها للحرب, لكنها متحمسة جدا للتخلص من صدام مهما كان الثمن, وهي على أتم الاستعداد للوقوف مع أمريكا في خندق واحد, وقد قدم (فرانكس) ملفا عن كل زعيم عربي, وكان متفائلا بأن الأردن واليمن ستكونان في طليعة الدول العربية المتعاونة.
زار تشيني في يوم واحد ثلاث عواصم خليجية من بينها قطر, التي تبرعت بتوفير مركز القيادة ومسرح العمليات. وخلال غداء زوجته (ليني تشيني) مع زوجة أمير قطر (الشيخة موزة) سألها : (متى سيبدأ العام الدراسي لديكم هنا في البحرين؟ فردت عليه الشيخة: هذه قطر وليست البحرين).
في الحادي والعشرين من آذار (مارس) اجتمع (تشيني) مع بوش لإطلاعه على نتائج جولته, والتقى الصحفيون مع بوش وتشيني في البيت الأبيض, وسألوا (تشيني) عما إذا كان قد لمس من الزعماء العرب رغبة في التحرك ضد العراق، فقال : كنت حريصا على الاستماع إلى نصيحتهم وآرائهم حتى يمكنني إيصالها للرئيس. وهنا تدخل بوش ليقول: (من المهم جدا لهؤلاء الزعماء أن يفهموا طبيعة هذه الإدارة، عندما نقول شيئا فإننا نعنيه).
ويتابع الكاتب تطورات الوضع العراقي وعلاقته بالأساليب, التي استخدمتها الإدارة الأمريكية لتمرير مشروعها القاضي بتدمير العراق، ويعيد إلي الأذهان, وبتسلسل تاريخي وحدثي, مجريات التحضير للحرب، والتي تبدو للوهلة الأولى مثل فصول فيلم فيه حشد كبير من الممثلين، الذين يتدافعون لإثبات كذبهم أمام الجماهير. فرامسفيلد مثلا استخدم المخابرات الأمريكية (CIA) ومديرها (جورج تينت) لاختلاق صلة الوصل بين العراق والقاعدة، فيما مارس (ديك تشيني) ضغوطا بهذا الشأن. واللافت للنظر في تحليل الكاتب هو ربطه مشروع غزو العراق بمشروع القرن الأمريكي، ومراكز القوة التي احتلها المحافظون الجدد، وكيف قاموا بتغذية الإدارة الأمريكية بالتقارير الكاذبة عن قدرات العراق.


أرذل المواقف العربية التآمرية

ويكشف الكتاب عن الدور الخطير الذي كان يمارسه الأمير بندر بن سلطان السفير السعودي لدى واشنطن, والذي كانت بلاده تتظاهر أمام الناس بمعارضة الحرب, فيما كان يقوم هو بدور تحريضي في الدهاليز المظلمة لإقناع الدول بالانضمام إلى التحالف الذي تشكله الولايات المتحدة لضرب العراق. ويقول الكاتب: ان (دك تشيني) استدعى بندر بن سلطان إلى الجناح الغربي في البيت الأبيض, وبحضور وزير الدفاع (دونالد رمسفيلد), ورئيس هيئة الأركان الجنرال (ريتشارد مايرز), وأخبره بنية الولايات المتحدة خلع صدام, وبأن القوات الأميركية ستحتاج الى استخدام الأراضي السعودية في حربها, وكان هذا هو الطلب الرئيسي, ومن أجله عرض الجنرال مايرز خارطة سرية أمام الأمير بندر من سلطان تشرح مخطط العمليات العسكرية لغزو العراق, وكانت الخارطة موسومة بثلاث كلمات، ((سري للغاية نوفورن)), وان كلمة (نوفورن) تعني غير مسموح بعرضها على الأجانب (غير الامريكان), وقال مايرز لبندر: إن الحملة ستبدأ بقصف جوي مركز يستمر عدة أيام فقط, لكنه سيكون قصفا جويا هائلا, وأكثر عنفا من ذي قبل بثلاث أو أربع مرات. عندئذ طلب بندر بن سلطان أن يأخذ نسخة من الخارطة كي يريها للأمير عبد الله, حتى يقنعه بجدية الأميركيين هذه المرة بخلع صدام, لكن (تشيني, ورمسفيلد, ومايرز) رفضوا, وقالوا له إن بإمكانه أن يطمئن على صدق امريكا, ونيتها الجادة نحو اعلان الحرب على العراق, وانها مصرة على تحقيق هذا الهدف, وبإمكان الأمير بندر نقل هذا الإصرار إلى ولي العهد, ويروى الكتاب أن الأمير بندر كان حريصا على التأكد من جدية الولايات المتحدة هذه المرة, وأنها لن تترك صدام في مكانه كما حدث بعد حرب عام 1991، وكانت لدى الأمير بندر رغبة جامحة للانتقام من صدام, فرد عليه (تشيني) مؤكدا أن (صدام سينتهي امره بمجرد انطلاق الشرارة الأولى للحرب). أدرك الأمير بندر ما هو مطلوب من السعودية وطلب من الحضور ترتيب اجتماع مع الرئيس بوش ليحمل الطلبات منه إلى ولى العهد السعودي الأمير عبد الله. وقد رتبت (كوندليزا رايس) الاجتماع في اليوم التالي، وكان بوش قلقا من محاولات فرنسا وألمانيا وروسيا تمديد مهمة (هانز بليكس) وفرق التفتيش، وخفف بندر من قلقه قائلا: (هؤلاء الناس لا يضرون ولا ينفعون - يقصد الدول الثلاث- إنهم يحاولون لعب دور أكبر من حجمهم).

نعم إنها تباشير الحرب يا عزيزتي كوندي

يتناول الكتاب قبيل الختام تفاصيل اللحظات المرعبة التي سبقت إعلان الحرب, فقد حددت الإدارة الأمريكية ساعة الصفر يوم الجمعة 21 آذار (مارس), لكنها قررت وعلى حين غرة تقديم الموعد المقرر يوما واحدا, بناءا على معلومات استخبارية عاجلة أرسلها فريق (روك ستار) المكلف بالتجسس على العراق, تفيد بوجود صدام وأولاده في إحدى المزارع, وتمكن الفريق من رصد تحركاتهم, من خلال اعتماده على عناصر عراقية وغير عراقية مجندة لهذا الغرض ومقربة من الدائرة الضيقة لصدام. وهكذا جاء القرار الأمريكي الاستباقي بضرب صدام قبل مغادرته المزرعة. وكان من المهم إعلام الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة بهذا التحول المفاجئ، فاتصل جورج بوش بالمفوض البريطاني, وطلب منه إبلاغ (توني بلير), وطلب من (كوندليزا رايس) إعلام السفير السعودي (بندر بن سلطان) والإسرائيليين. وحين اتصلت رايس بوزير المالية الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) قال لها: إنه على علم بآخر التطورات (أي بالقرار الجديد للحرب), وتمنى لهم حظا طيبا. وهكذا اتصلت (كوندليزا رايس) ببندر بن سلطان, وطلبت منه التوجه إلى البيت الأبيض للقائها في السابعة و45 دقيقة مساء بتوقيت واشنطن. فأشار إليها بندر بأن زياراته للبيت الأبيض بعد أوقات الدوام الرسمي (السادسة والنصف مساء) أصبحت تثير الشكوك, خاصة أن كثيرين أصبحوا ينظرون إلى تلك الزيارات المتأخرة على أنها لقاءات مع الرئيس نفسه, لكن رايس قالت له إن الأمر عاجل, ولما وصل بندر إلى البيت الأبيض استقبلته (كوندليزا رايس) في الثامنة و25 دقيقة, وفوجئ بمصور فوتوغرافي يعمل لصالحها يلتقط صور المصافحة. ولما سألها ما العاجل ؟, قالت له: ((إن الرئيس طلب مني إخبارك )), فأكمل بندر: (( ما أسعدنا, أننا ذاهبون إلى الحرب)). وكاد يطير من الفرح, وأردف قائلا: إنني أقابلك يا عزيزتي (كوندي) في هذا المكتب منذ عامين ولم يكن هناك أي مصور, كما أن انتهاء فترة الإنذار لصدام حسين وأولاده يعني أنها الحرب. وسألها : عما إذا كان هناك أي أجنبي غيره يعرف بالحرب, فقالت: لا, لكن الإسرائيليين أصبحوا الآن يعلمون بها، ثم أضاف أن الصورة التي أخذها المصور ستكون تاريخية, لأنها تؤرخ بأنه الأجنبي الأول الذي علم بالحرب مباشرة, وليس عن طريق التلفون. قالت له: ستفتح أبواب الجحيم في التاسعة مساء, وأصر صديقك, الرئيس, أن تعلم بالأمر مباشرة، فعقب بندر مازحا: قولي له إنني في المرة القادمة التي سأراه إذا اندلعت الحرب سأكون حليقا، فقالت رايس مرة أخرى: لا تتعجل, فلا أحد يعرف ماذا سيحدث في الدقائق القادمة, وكيف سيتغير العالم للأفضل أم الأسوأ. سأل بندر: ولكن أين الرئيس الآن؟. أجابت رايس: إنه يتناول عشاءه الآن مع زوجته, وبعدها طلب أن يكون وحيدا. فقال لها بندر: قولي له سيكون في دعواتنا وقلوبنا, فليساعدنا الله جميعا. وفي الثامنة والنصف اتصل الرئيس مع رايس أثناء وجود بندر, وسألها عنه فأجابت بأنه, أي بندر, ما زال معها وأنها أخبرته, وأنه طلب منها أن يقول للرئيس بأنه في صلواتهم. ثم أقفلت التلفون قائلة لبندر إنه يشكرك, ويقول تابعوا الدعاء والصلاة (صفحات 394 و395). بعدها خرج بندر من اجتماعه القصير مع رايس, واتصل فورا بالأمير عبد الله ليخبره بقرب اندلاع الحرب في الدقائق القليلة القادمة برموز وعبارات متفق عليها، فكانت كلمة السر التي قالها للأمير عبد الله على الهاتف: ((أخبار الطقس تقول إنها ستمطر بشدة في الروضة هذه الليلة)), والروضة ضاحية من ضواحي مدينة الرياض. فقال له الأمير: هل أنت متأكد ؟. فأجاب بندر: نعم متأكد جدا, وأرجو أن تتابع التلفزيون الليلة.

أسرار وفوازير غامضة

ويستفيض الكاتب، في إعطائنا معلومات هي خارج إمكانياتنا على التحصيل، مثل المعلومة التي أوردناها هنا, والتي تقول، بأن سفير السعودية الأمير بندر، كان يعلم بـخطة الهجوم، قبل أن يعلم بها وزير الخارجية (كولن باول) نفسه، وعلى الرغم من إنكار (كولن باول)، لهذه المعلومة، إلا أننا نستغرب كيف يمكن لإنسان أن ينكر أو يثبت واقعة يجهلها، فيما يثبت الكاتب بأسلوبه الخاص، حقيقة توصية (كوندليزا رايس) للأمير بندر، بأنه ليس من الضروري أن يعلم الوزير (كولن) بما يدور الآن.
وهناك معلومة ثانية، يذكرها كتاب (خطة الهجوم)، تقول بأن ارييل شارون، كان يعلم هو الآخر بالهجوم، قبل اثنتين وسبعين ساعة من وقوعه، وأن خطوط الخطة على الخرائط السرية، كان يعلم بها، قبل رسالة (تجديد الصداقة) التي أرسلها ولي عهد المملكة، الأمير عبد الله بن عبد العزيز، إلى الرئيس الأمريكي بوش، أو قبل إرسال نجل الرئيس المصري (جمال مبارك)، ليفرغ هو الآخر، ما في جعبته من أسرار المخابرات المصرية عن العراق وخباياه.

وتستمر المؤامرة الخسيسة

تخيم علينا سحب الحزن والقهر, ونشعر بخيبة كبيرة بسبب هذه المواقف الخسيسة التي تعكس مدى انحطاط المستوى الأخلاقي لبعض الحكام المتخاذلين, الذين سعوا ومازالوا يسعون لتسليم الوطن العربي كله بيد الأمريكان والصهاينة, مقابل احتفاظهم بكراسيهم وسلطانهم وقصورهم وثرواتهم وجواريهم ويخوتهم الفارهة ونعيمهم الزائل. ولا هم لهم هذه الأيام سوى زرع الفتن, وتدبير الدسائس, وترويج الكذب والتدليس, وإشاعة النعرات الطائفية, وتشجيع الإرهاب, والسعي نحو التفرقة والتمزق والتشرذم, وتشويه صورة الإسلام والمسلمين, والتآمر على العراق وشعبه, والتفاخر بالتبعية للبيت الأبيض, والتلذذ بالتآمر على الشعوب العربية المنكوبة, والكيد لهم, والتهافت في تقديم الدعم والعون والإسناد المطلق للقوات الغازية, والسماح للسفن الحربية الجبارة بعبور قناة السويس للانقضاض على بلد الرافدين, وتسهيل تحرك القوات الأمريكية الجوية، وتزويدها بالوقود, ومنحها حرية استخدام المجال الجوي العربي للقيام بمهام عسكرية فوق العراق. ومنحها ست ثكنات حربية, وست قواعد لإطلاق الصواريخ البعيدة المدى في السعودية والكويت وقطر والبحرين والإمارات, وممارسة البغاء السياسي في السر والعلن, والسماح بايواء مئة وخمسين ألف جندي أمريكي، وثلاثة آلاف دبابة وآلية، عدا قوات التحالف من أوروبية انتقامية منتفعة، أو أوروبية شرقية متسولة، أو أمريكية لاتينية موعودة. ناهيك عن التنازلات السخية للتواجد الدائم في المياه الإقليمية العربية، ذلك وغيره ما يشير إلى عمالة الأنظمة العربية المتخاذلة المتسلطة على رقاب الناس، والتي أصبحت متخصصة بالتمويه والخداع باسم العروبة والإسلام, وأصبحت متفننة بإطلاق الشعارات الكاذبة والكلمات الطنانة عن الجهاد والرجولة والشهامة. وتوظيف جوقة وعاظ السلاطين في الهاء الناس وتضليلهم وتخديرهم, وتبرير الغزو الأمريكي للعراق, ووصلت بهم الصلافة إلى تزييف وتحريف الوقائع, وإنكار ما قامت به الأقطار, التي فتحت بوابات عواصمها لقوات التحالف الأمريكي, وحرضتها وشجعتها على تدمير العراق.
ختاما لابد من طرح مجموعة من الأسئلة الملحة, التي ماانفكت تغلي في صدر المواطن العربي, ويرددها في خلواته متلهفا لمعرفة الجواب الشافي, من مثل: ما سر سكوت الجامعة العربية على هذه الفضيحة المخزية, التي تشيب لها رؤوس الولدان, وما هو مبرر هذه الجريمة التي ارتكبها بعض الحكام العرب ضد الشعب العراقي ؟, سيما إن كل من يقرأ الكتاب, ويطلع على هذا الكم الهائل من الأسرار والدسائس, سيقف مذعورا مخذولا بين مفترق طريقين, اما أن يكون الكاتب يبغض العرب والمسلمين ويحاول أن يلصق بهم خصلة الـتآمر, ويلفق لهم التواطؤ مع البيت الأبيض ضد العراق ؟, عندئذ يفترض أن توجه للكاتب تهمة الكذب والتدليس وقلب الحقائق, وبالتالي يفترض أن يصار إلى سحب الكتاب من المكتبات . دفاعا عن سمعة الحكام الذين اهتزت صورتهم في ذهن المواطن العربي, أو انه أصاب كبد الحقيقة, ونجح في توثيق هذا التآمر السافر على العراق, وتشخيص أبعاده الخبيثة, ثم كيف نفسر ضلوع شخصيات عربية حاكمة، في السعودية ومصر وقطر واليمن والكويت والأردن ولبنان بمؤامرة تدمير العراق واحتلاله، فيما الهدف تحديدا القضاء على صدام ونظامه، كما ورد تماما في صفحات هذا الكتاب, الذي فضح التواطؤ العربي المخزي في هذه الحرب الكارثية, وكيف نفسر هذا التدخل لشيخ السفراء العرب في واشنطن، بندر بن سلطان، وهو يتوسل ببوش، بأن لا يتردد هذه المرة في سحق العراق وتهديمه.
ما يميز هذا الكتاب انه جمع خيوط المؤامرة على العراق, ورسم فصولها بطريقة مثيرة للدهشة، ونجح في ملاحقة الأحداث, وكشف لعبة التضليل، وحاز على شهرة واسعة من خلال اعتماده على الوثائق, والمقابلات الشخصية, ومن خلال قراءته لما وراء التصريحات، والتي تعد في غاية الأهمية في تحديد ملامح الأوضاع العراقية المتقلبة والتي لم تستقر بعد، وهكذا نجح الكاتب في توثيق الرغبات الأمريكية الجامحة لاحتلال العراق, واستطاع أن يصور المشاهد التاريخية لتحالفات المحافظين الجدد مع عملائهم وعبيدهم في المنطقة, وكيف هيئوا الأجواء السياسية لتدمير العراق من خلال إصرارهم على تركيز الأنظار عليه أكثر من منظمة القاعدة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق