الخميس، 2 فبراير 2012

أبناؤنا يبحثون عن وظائف حراس أمن

سعودي.. عاطل.. فقير!!

 

ضحك زميلي في العمل - وهو «غير سعودي»، قادم للتو من بلده - باستغراب حينما سمعني أقول إنه يوجد عدد كبير من الشباب السعودي «العاطل» عن العمل، وإن هناك عدداً من العائلات تعيش تحت خط الفقر، وقال لي بكل دهشة: ولكن المفهوم السائد لدى الكثيرين أن أغلب أثرياء العرب من السعودية. قلت: نعم.. وما وجه الغرابة في ذلك؟ قال: من المؤكد أن هناك خللاً يكمن في مكان ما؛ فليس من المنطق أو العقل أن تكون السعودية ـ بكل ما وهبها الله من موارد وخير وبركة واقتصاد قوي ـ لديها شباب عاطل وأُسَر فقيرة.
 هنا ضعفت حجتي، وقلَّت حيلتي، وخجلت من إكمال حديثي معه، وخشيت أن أعرض ما لدي من أرقام وإحصائيات بشأن العاطلين والأُسَر الفقيرة؛ حتى لا أجعله يؤكد مقولته بأن هناك شيئاً ما خطأ، أو أن هناك خللاً في مكان ما.
صحيح لدى الكثيرين منا قناعة بأن «هناك شيئاً ما خطأ»، الكل يحلل، ويكتب، والكل يتحدث، ويدلي برأيه، لكن من كتب أو حلل ليس كمن شاهد، أنا شاهدت أُسَراً فقيرة تعيش على ما يجود به بعض الجمعيات الخيرية أو المحسنين، وليتني لم أشاهد ذلك. ذات مرة رافقت أحد أصدقائي في جمعية خيرية حيث يوزع الماء والطعام، وسار بنا في حي أعتقد أنه قال «السبالة»، وحينما دخلنا داهمت صديقي بسؤال «هل هؤلاء سعوديون»؟ فضحك وقال: لماذا دائماً تسألونني السؤال ذاته؟نعم، إنهم سعوديون، بل سأعطيك بطاقات بعضهم؛ لتتأكد أنهم مواطنون. وبالفعل أطلعني على ذلك، وتأكد لي أنهم سعوديون أباً عن جد. وحينما بدأ صديقي في توزيع ما لديه من ماء وطعام فوجئت بانقضاض البعض علينا في نهم شديد، وبدت السيارة وكأنها فريسة لأشخاص جائعين، واستغربت من موقف صديقي الذي بدت عليه السكينة والهدوء، وكأن ما يحدث أمر طبيعي، وبادرني: لقد تعودت على هذا الشيء. بل أدخلني بعض البيوت لأشاهد ما هو أفظع من ذلك، وتمنيت لو لم أشاهدها؛ حتى لا أعلم مدى ما تخفيه تلك البيوت من مآسٍ وواقع مؤلم.
عدنا بعد توزيع تلك الكمية من الماء والطعام، وفي السيارة غمرتني مشاعر مختلطة من الحزن والإحباط واليأس والرغبة في البكاء؛ حتى ترتاح دواخلي قليلاً، لكني لم أبكِ، ولم أتكلم، ولم أستطع أن أفكر، فقط كنت أتخيل وأسترجع صوراً رأيتها خلال الجولة؛ فظلت عالقة بذهني، وأسأل نفسي من الأعماق: «هل يعقل أننا في السعودية» وأن هذه الصور في أرض الواقع؟
وكسر حاجز صمتي وتفكيري واستنكاري للصور التي أمامي صوت قوي، صادر من ضمير الإنسانية، صوت صارخ تكسوه نبرة المعاناة، يقول: نعم يا أستاذ.. أنت في السعودية.. أنت في الرياض.. أنت في حي اسمه «السبالة». يا من تعيش مع أسرتك وأبنائك في بيتك، تأكل متى تشاء، وتسافر متى تشاء، وتقتني السيارة التي تريد، نعم، نحن أبناء بلدك نعيش في هذه الأماكن، وأنت لا تعلم هل ننام «مالئي البطون» أم «جوعى»، لكن الله أرحم الراحمين. نعم، نحن أُسَر فقيرة، أبناؤنا عاطلون، لا نجد قوت يومنا، حتى الجمعيات لا تستقبلنا؛ لأن لديهم شروطاً عجزنا عن توافرها.
نعم، نحن أبناء بلدكم، ونحن مواطنون مثلكم، يا من تتصارعون هل «تقود المرأة السيارة» أم «لا تقود» نقول لكم: هذا حالنا، وهذا واقعنا، وما يخفى عنكم كثير، هل تعلمون أن نساءنا تعوّدن الولادة في بيوتهن، وقد يضطر بعضنا لاستخدامهن متسولات من أجل توفير لقمة العيش؟ «يا من» تقول أنا «ليبرالي» والآخر «إسلامي» نقول لكم: نحن «مسلمون»، نصلي ونصوم، لكننا نفتقد زيارات من يزكون أموالهم، ومن يتلمسون حاجتنا، ويتفقدون أحوالنا. نعم، يا من يتحدثون عن «التعليم الإلكتروني» ودمج الفتيات مع الأولاد، إن أبناءنا لم يتعلموا، لم يدرسوا. نعم، نحن أبناء بلدك يا من تبحث عن المرتبة الرابعة عشرة والخامسة عشرة، أبناؤنا يبحثون عن وظائف «حراس أمن».. نحن «أبناء بلدك» وهذا وضعنا.. فماذا أنت صانع؟

إبراهيم المعطش

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق