الأربعاء، 28 مارس 2012

مرحلة نقد الوهابية تحت غطاء مسؤولين

اكتسب نقد الوهابية ، في السنوات القليلة الماضية، زخما لم يسبق له مثيل في المملكة العربية السعودية. الأنماط الأولى لهذا النقد جاءت من قبل مجموعة غير متجانسة من كبار المثقفين الليبراليين والاسلاميين، وبدى أنها قد حصلت على موافقة جزئية من النخبة الحاكمة التي اتخذت بعض الخطوات الرسمية تجاه الاصلاح الديني والاجتماعي. ولكن السؤال هو: هل المملكة العربية السعودية الآن مستعدة لدخول عصر «ما بعد الوهابية»؟ … حدثت تغيرات كبيرة مؤخرا في المملكة العربية السعودية، وخاصة في الحقل السياسي-الفكري المحلي. ولعل أهم حدث كان بروز تيار «إسلامو-ليبرالي» يتكون من إسلاميين وليبراليين ، سنة وشيعة، داعين إلى تغيير ديمقراطي ضمن إطار إسلامي من خلال إعادة النظر في وتجديد المذهب الوهابي الرسمي. وبالرغم من أنهم لم يعطوا جميعا أهمية كبيرة للنقد الديني مثل ما فعلوا في النقد السياسي، فإن نقد الوهابية – في جوانبها السياسية والإجتماعية كان بلا شك أحد المطالب الرئيسية لهذا الاتجاه ولكن هذا لا يعني أن هذه الظاهرة تعتبر دون سابقة تماما في المملكة العربية السعودية: لأن بعض مبادئ الوهابية سبق أن تعرضت ، في بعض الأحيان، لهجوم من قبل علماء بارزين من مناطق الحجاز والأحساء ومن – رغم أنه أقل شيوعا – علماء وهابيين «منشقين» من منطقة نجد، مهد الوهابية. ومع ذلك، فإن استعمال مصطلح «الوهابية» في حد ذاته كانت حتى قبل وقت ليس بعيد يعتبر تابو ومن المحرمات. الانتقادات جاء معظمها من السعوديين المهمشين جغرافيا أو لكونهم من مجموعات دينية أو سياسية مخالفة ، وكانت هذه التحركات معزولة دائما. ولكن ما لدينا اليوم مختلف تماما: نقد الوهابية اكتسب أرضا ومكاسب في الواقع العملي حتى صار يشار إليها بصراحة بمصطلحها الأصلي رغم التابو. إنه تحد يمس جميع جوانب التقاليد والتعاليم الوهابية، ويميل إلى أن يأتي من داخل قلعة الوهابية الإيديولوجية والجغرافية.
الاتجاهات الناقدة :
لن نتعامل هنا مع نقد الشيعة للوهابية، والتي كانت ظاهرة مستمرة منذ زمن ابن عبد الوهاب، وكانت واضحة نظرا للخصومة الأساسية بين الشيعة والوهابية. ولكن الجدير بالذكر مع ذلك ، هو أن المفكرين الشيعة الإصلاحيين السعوديين ، وكجزء من استراتيجيتهم الحالية للمصالحة مع النظام من داخل حركة وطنية أوسع سميتها التيار “الاسلامو-ليبرالي”، كانوا حريصين جدا على ألا يقوموا بأي هجوم مباشر على الوهابية، واختاروا ترك مسؤولية ذلك الهجوم على الوهابية لزملاءهم السنة.
ومن بين الأنماط النقدية غير الشيعية يأتي أولا الليبراليين السعوديين، مثل الكاتب والمحلل السياسي د. تركي الحمد، الذي ندد باستمرار وعلى مدى عقود بالمظاهر الاجتماعية الجامدة للوهابية – الشرطة الدينية أو الحظر المفروض على قيادة المرأة للسيارة. وفي ظل مناخ ما بعد 11 سبتمبر ، زاد نقدهم لخصمهم «الوهابي». والنمط النقدي الثاني هو لمجموعة من المثقفين الجريئين الشباب – أشهرهما منصور النقيدان ومشاري الذايدي – والذين استفادا من خلفيتيهما الإسلامية الموروثة من ماضيهما الإسلامي الراديكالي من أجل تطوير نقد إسلامي للوهابية. ومن خلال سلسلة من المقالات، نددا بـ «تجاوزات المذهب الوهابي» مشيرين بصورة خاصة لوجود صلة واضحة بينها وبين موجة عنف «السلفية الجهادية» التي مرت بها البلاد منذ مايو 2003. النمط الثالث، يأتي من بعض المفكرين الإسلاميين الذي بدأوا منذ منتصف التسعينيات بصياغة نقد سلفي للوهابية. يعتبر حسن المالكي من أبرز هؤلاء المفكرين حيث ينتقد بشدة جمود التعاليم الوهابية وميلها لتقليد ابن عبد الوهاب وابن تيمية بدلا من «الإجتهاد» بحسب تعاليم السلفية الحقيقية. كما يشارك د. عبد الله الحامد حسن المالكي في الاعتقاد بأن الوهابية أصبحت فقط صورة «كاريكاتورية» للسلفية الحقيقية، ويدعو إلى العودة إلى هذه الأخيرة، وهو الشرط الذي يجعله أساسا نظريا لنشاطه المؤيد للديمقراطية في حركيته السياسية. وأخيرا، برز نوع رابع من النقد، والذي يمكن أن يسمى «النقد الوهابي للوهابية». أحد أبطاله هو المحامي الإسلامي والناشط السياسي د. عبد العزيز القاسم، الذي يصر على التعددية الداخلية للمذهب الوهابي الأصلي كما تطور على مدى الـ 250 عاما الماضية، ويعتقد أنه يمكن إحياء بعض أكثر جوانبها تسامحا ولذلك يقترح تجديد الوهابية من داخل التقليد نفسه.
الدعم الحكومي :
وما لم يسبق له مثيل هو أن الحكومة السعودية قد تبنت جزئيا هذه الأنماط النقدية واتخذت عددا من الخطوات التمهيدية نحو الإصلاح الاجتماعي والديني ، وإن لم يكن هناك بعد سياسي حتى الآن. تنظيم مؤتمر الحوار الوطني الأول فى يونيو عام 2003 ، بحضور ثلاثين من العلماء الذين ينتمون إلى جميع الطوائف في السعودية: الوهابية ، والسنة من غير الوهابيين، والصوفية، والإسماعيلية ، والشيعة الاثني عشرية، كان خطوة واضحة في هذا الاتجاه. هذا المؤتمر أدى إلى اعتماد ميثاق يحتوي على مجموعة من «التوصيات» يمكن اعتبار بعضها ضربة قاسية للمذهب الوهابي. أولا، الميثاق يقر التنوع الفكري والمذهبي للدولة السعودية، وهو ما يتعارض مع الوهابية «الإقصائية» Exclusivism التقليدية. ثانيا، ينتقد الميثاق أحد أهم أركان التعاليم القضائية للوهابية وهو مبدأ «سد الذرائع» ، والذي يحظر الأعمال التي «قد» تؤدي إلى ارتكاب الذنوب. ومن اللافت أن هذا المبدأ هو الذي يحرم المرأة من حق قيادة السيارة في المملكة العربية السعودية. وعلاوة على ذلك، لم تتم دعوة أي من شخصيات المؤسسة الوهابية الرسمية لحضور المؤتمر، مما يدل بوضوح على استعداد حكومي لتهميشهم (إذا رفضوا الإصلاح والتجديد). وبالإضافة إلى ذلك، فإن حقيقة أن الصحافة التي تسيطر عليها الحكومة قد فتحت مؤخرا أعمدتها لنقد تيار «الإسلامو- ليبرالي» للجمود الديني يعكس درجة من الدعم الرسمي لذلك. ومن الجدير بالذكر أيضا أنه كانت هناك بعض التحسنات في اثنين من القضايا الاجتماعية والدينية الحاسمة: وضع المرأة، التي تم الاعتراف رسميا بدورها الاقتصادي والتي أعطيت صوتا في الحوار الوطني، وكذلك تحسن وضع الشيعة، الذين شهدوا مؤخرا تخفيف القيود النسبية على ممارساتهم الدينية.

ولذلك، يبدو أن جزءا من النخبة الحاكمة يعترف الآن بضرورة إعادة النظر في المذهب الوهابي. أسباب هذا الأمر أبعد من الضغوط الأمريكية على المملكة. فقد أصبح من الواضح أن فقط مثل هذه الخطوة من شأنها أن تسمح بإنشاء دولة سعودية حقيقية، مبنية على «القيمة» Modern Value الحديثة والشاملة للمواطنة – وهي قيمة شبه مفقودة واقعيا وتشتد الحاجة إليها في أوقات الأزمات. ولكن هذا التحول الايديولوجي لا يمكن تحقيقه من دون تغيير راديكالي في التحالفات السياسية الداخلية القديمة. وهذا ما قد يجعل منه مخاطرة!

بقلم  د. ستيفان لاكروا - ترجمة د. حمد العيسى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق